مصر والسنوات الأربع الحاسمة
في حوار ودي مع جمع من الأصدقاء بشأن ما تشهده المنطقة من تحولات سياسية وما يترتب على هذه التحولات من آثار اقتصادية واجتماعية وثقافية، تحاورنا فيما إذا كانت فترة هذه التحولات طويلة أم قصيرة، وفيما إذا كانت منطقة الشرق الأوسط ستنهض بعد هذه التحولات أم أنها ستكبو كبوة قاسية لا نعلم متى ستقوم منها. وأخيرا السؤال المعتاد هل هذه التحولات نتيجة طبيعية لخلطة الظلم والفقر والطغيان المدعومة بوسائل التواصل الاجتماعي الحديث، التي تعيد تشكيل منظومة الوعي العربي وتمكن الأفراد من التواصل والتنسيق أم تقف وراءها خطة دولية تدفع بها المنطقة لمصلحة أهدافها الاقتصادية والسياسية، أم أن الدول العظمي لديها من الأدوات والآليات ما يمكنها من السيطرة على هذه التحولات الطبيعية وضبطها وتوجيهها بالمحصلة لمصلحة أهدافها؟
كل أدلى بدلوه بين متفائل ومتشائم وبين هذا وذاك، فالبعض يرى في نجاح تونس في التحول من الديكتاتورية القهرية إلى الديمقراطية التي دارت عجلتها بأقل الخسائر نموذجا رائعا، وأن الدول العربية ستتجه هذا الاتجاه بطرق متعددة منها ما هو بشكل مؤلم كما يحدث حاليا في سورية، وما حدث في ليبيا، ومنها بشكل سلس وتدريجي كما حدث في المغرب، ويتطور بشكل بطيء في الأردن، ومنها ما هو بين البينين، كما حدث في مصر، ومنا من قال إن هذه التحولات لا بد منها، وهي سنة الحياة، فالحياة ديناميكية لا يستقر ظهرها لأحد، والناظر للتاريخ يدرك ذلك، وخلطة الظلم والفقر في ظل وسائل التواصل الحديث التي مكنت المواطنين من التواصل والتنسيق وقياس الفجوة مع شعوب الدول الأخرى تدفع باتجاه هذه التحولات طال الزمن أو قصر، والأنظمة الذكية هي تلك التي ترصد التحولات وتتفاعل معها إيجابا بطريقة استباقية قبل فوات الأوان.
وفيما يتعلق بالتدخل الخارجي بالنسبة لهذه التحولات اتفق الجميع على أن منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للعالم مثل العاصمة لأي دولة، ومثل وسط المدينة لأي عاصمة، فهي منطقة مهمة وحيوية، بل منطقة مصيرية بالنسبة لكثير من الدول، خصوصا الامبراطورية الأمريكية والدول العظمي، وهذا الأمر ليس وليد الساعة، بل هو أمر تاريخي، فكل قوة عالمية تنشأ لا بد أن تقرر بشأن منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإن الحراك السياسي في المنطقة، حتى إن كان ناتجا عن معطيات داخلية لا خطط خارجية، لا بد أن يتعامل معه الغرب وروسيا والصين وغيرها بشكل قوي وفاعل، حفاظا على مصالحها من خلال الأدوات والآليات الكثيرة والمتنوعة التي تمتلكها، سياسية كانت أو اقتصادية أو عسكرية، والكل رأى الوفود الأجنبية وهي تتوافد على مصر بعد الثورة وتزور حزب الإخوان الأقوى على الساحة المصرية لمعرفة مواقفه واتجاهاته لتحديد ردة الفعل تجاهه فيما إذا حكم البلاد.
لا أخفيكم أن التحليلات مهما تنوعت والتوقعات مهما كانت، فإنني أنظر وبقوة للتحولات التي تشهدها مصر على وجه التحديد رغم أن تونس هي مفجرة الثورات العربية والتحولات السياسية التي تشهدها المنطقة حاليا، نعم، فمصر تهم كل مواطن عربي لتاريخها وثقلها وتعداد سكانها، والمستقبل السياسي في مصر سيكون له الأثر البالغ في التحولات السياسية في المنطقة، ولو نجحت الثورة المضادة في مصر، التي كانت قاب قوسين أو أدنى من ذلك قبل إعلان فوز الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر، لقلنا قولا آخر، حيث ستدخل المنطقة في نفق مظلم لا نعرف منتهاه، حيث ستعود ثورة جديدة في مصر تنزف الدماء بالتزامن مع الدماء الكبيرة، التي تنزفها سورية، التي لا نعرف متى ستقف في ظل الصراعات الغربية - الشرقية القائمة.
أما وإن مصر اجتازت عنق الزجاجة، وسلّم العسكر فيها الرئاسة لسلطة مدنية منتخبة مدعومة بآلة دعم قوية، أعلنت غير مرة أنها بصدد تنفيذ برنامج اقتصادي طموح مستلهم من النجاحات الماليزية والتركية والكورية والبرازيلية وغيرها، ولجنة صياغة الدستور شرعت بذلك وما سيعقب ذلك من انتخاب برلمان جديد، فإن العرب تنفسوا الصعداء، حيث بدأت مسيرة الألف ميل في مصر بعد أن تتعثر هنا وهناك بعيدا عن طريق المسيرة، وأكثر مَنْ تنفس الصعداء - في رأيي – هم مواطنو الجمهوريات العربية التي شهدت ثورات أو لم تشهد كون تلك الجمهوريات، خصوصا الجمهوريات الاشتراكية، سامت شعوبها سوء العذاب وأذاقتهم طعم الظلم والفقر بكل ألوانه، وهم بين الخوف مما هو أسوأ والرجاء فيما هو أفضل.
بكل تأكيد السنوات الأربع القادمة، التي تمثل فترة حكم الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي ستكون السنوات الأكثر حسما في مسيرة التحول السياسي والاقتصادي في مصر، ذلك أن نجاحها كما نجحت التجربة التركية سيكون لها الأثر الكبير في مسيرة الشرق الأوسط، حيث ستغير كثيرا من مواقف المترددين، الذين ما زالوا يظنون أن ما يسمى الربيع العربي ما هو إلا صيف شديد الحرارة مخطط من قوى أجنبية متآمرة لتفتيت المنطقة وشرذمتها، ما سيكون له أكبر الأثر في تعزيز محركات الدفع التنموية، فتردد البعض الحالي يعمل دون شك كعائق كبير للنهوض من حفر الأنظمة السابقة.
أتطلع كما يتطلع معظم أبناء الأمة العربية إلى أن تركز الرئاسة المصرية على قضايا التنمية الرئيسية، وتترك الهامشية لتحقيق نجاحات تنموية سريعة وتؤسس لنجاحات تنموية طويلة المدى تهدئ من روع الشعب المصري والشعوب العربية، وتؤكد أن محصلة التحولات تصب لمصلحته ومصلحة الأمة العربية، وأن النهوض من الكبوة سريع ومتناول، وأن لدينا من الذكاء ما يجعلنا نتماهى مع مصالح القوى الدولية لا التصادم معها.