رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تاريخنا.. لم يُكتب بعد

أُعوّل كثيراً على دارة الملك عبد العزيز التي تبناها الأمير سلمان بن عبد العزيز أخيرا وكلفها الاهتمام بإعادة كتابة تاريخ الجزيرة العربية.
وفي هذا الإطار يجب أن نُسلّم بأن تاريخ السعودية الحديثة لم يُكتب بعد بأسلوب علمي وأكاديمي رصين، وأن كل ما كُتب عن المملكة سواء من الباحثين السعوديين أو الباحثين غير السعوديين.. هو مجرد اجتهادات شخصية قام بها البعض إسهاما منه في إثراء الحركة الفكرية والسياسية في المملكة، كما أن كل ما كُتب حتى الآن لا يرقى إلى أن يكون بحثاً تاريخياً موسوعياً متكاملاً يعبر عن الماضي والحاضر من أجل استشراف المستقبل.
إن مجموعة المشاريع التي وافق عليها مجلس إدارة الدارة في جلسته الأخيرة برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز، وأخص بالذات إنشاء مركز التاريخ الاجتماعي الذي يهدف إلى توثيق التاريخ الاجتماعي للمملكة بشكل علمي وإعداد قواعد معلومات لحفظ البيانات لتكون مصدراً للباحثين والباحثات من السعوديين.
أتمنى ألا يكون دور الدارة هو دور المكتبة الوطنية نفسه، فالدارة ليست مكتبة مركزية توفر البيانات والمعلومات فحسب، وإنما هي صرح علمي ثقافي مميز يهدف إلى دفع الأعمال العلمية الكبيرة كمشروع التاريخ الاجتماعي إلى التنفيذ، ليس من خلال توفير المعلومات فقط، ولكن أيضاً من خلال تنظيم وتكوين فرق العمل المنفذة للمشروع، مع الإشراف على تنفيذ وتمويل المشاريع العلمية الكبيرة.
ولا شك أن المملكة تمر في هذه الأيام بمنعطف تاريخي مهم يستوجب علينا أن نطل على العالم من خلال كتابات رصينة لتاريخنا المضيء، فالتوجه القوي نحو السياحة كمورد من أهم الموارد، وكذلك تشجيع المستثمر الأجنبي الذي يحتاج إلى قراءة تاريخنا قبل أن يستثمر أمواله في بلادنا، كذلك وضع تاريخنا الصحيح أمام أجيالنا المقبلة.. يقتضي بالضرورة أن نكتب تاريخنا في موسوعات علمية جادة ونقدمه بأسلوب علمي دقيق.
ويجب أن نُسلم جميعاً بأن العمل الموسوعي التاريخي المتكامل يحتاج إلى إمكانات بشرية ومالية ضخمة، ولا أتصور أن الإمكانات البشرية والمالية لا تتوافر لدينا، فالسعوديون المتخصصون في التاريخ والاجتماع والسياسة والاقتصاد والثقافة والآثار يملأون الجامعات السعودية ويبرعون في أعمالهم.
كما أن بذل المال في سبيل العلم من الخصال الحميدة التي تتمتع بها حكومة هذه المملكة الفتية.
إذن لا توجد مشكلة تحول بيننا وبين اضطلاعنا بكتابة تاريخنا، ولا سيما أننا ظللنا - مع الأسف - نترك لغيرنا يكتب تاريخنا ويعب فيه عباً.
وأتصور أن عصر الموسوعات قد عاد إلينا من خلال ثورة المعلومات والبيانات والاتصالات.
لذلك أقترح على الدكتور فهد بن عبد الله السماري أمين عام دارة الملك عبد العزيز أن يتبنى مشروع كتابة تاريخ المملكة، وأن يعلن عن وضع خطة علمية طموح لكتابة تاريخنا، وبذلك يحقق أمنية من أهم أمانينا العلمية التى نتمنى أن تتوافر للجميع وتكون مرجعاً موثوقاً لبلادنا ومملكتنا الحبيبة.
وأستحسن أن توزع مجالات البحث التاريخي على الجامعات السعودية وفقاً للاهتمامات التي برعت فيها الجامعات.
فمثلا ًتكلف جامعة الملك سعود بكتابة المجلدات الخاصة بالتاريخ السياسي للمملكة، وتؤلف الجامعة لجنة علمية من أعضاء هيئة التدريس المتخصصين في العلوم السياسية والعلاقات الدولية والتاريخ للقيام بهذه المهمة.
وتضطلع جامعة الملك عبد العزيز بكتابة المجلدات الخاصة بالتاريخ الاجتماعي، وتقوم الجامعة بتكليف مجموعة من أعضاء هيئة التدريس المتخصصة في علوم الاجتماع والتاريخ للقيام بتغطية هذا المجال.
وتتكفل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بدراسة التاريخ الاقتصادي والاستثماري ليكون هذا التاريخ إضاءة محيطة على طريق اتخاذ قرارات الاستثمار الأجنبى في المملكة.
كما تُكلف جامعة أم القرى برصد وتحليل كل ما يتعلق بالثقافة والآثار، حيث يغري هذا التاريخ قوافل السياح للسفر إلى مدن وقرى المملكة.
وتتولى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحليل تاريخ الثقافة الإسلامية ودورها في تشكيل السياسات وبناء هوية المجتمع السعودي.
كما تضطلع جامعة الملك فيصل بالتعمق في دراسة الجانب المعماري وبناء المدن والبيوت والأحواش والاستراحات التي مرت بأطوار سحيقة في جميع مناطق المملكة.
ثم تضطلع جامعة الملك خالد بكتابة المجلدات الخاصة بالآثار ومطارح السياحة في كل أنحاء البلاد.
وبعد ذلك يمكن تكليف جامعات سعودية أخرى بالقيام بتغطية ما لم يغط من تاريخنا المليء بالتجارب الخيرة والإنجازات المباركة.
أقول إن مسؤولية كتابة تاريخنا أصبحت ملزمة مع وصول عدد الجامعات السعودية إلى 20 جامعة، بمعنى أن مجتمعاً يزخر بالمؤسسات العلمية رفيعة المستوى جدير بأن يكلف هذه المؤسسات بكتابة تاريخه على أحدث مناهج البحث العلمي، وإذا لم نكتب تاريخنا اليوم وفي يدنا كل هذه الإمكانات البشرية والمالية، فلا عذر لنا، لأننا من الدول القلائل التي لم تكتب تاريخها وتاريخ بُناتها.
وطبعاً من الضروري أن تحدد خطة البحث فترة زمنية محددة للإنجاز، يتم بعدها تشكيل لجنة عليا للمراجعة النهائية وإقرار المشروع، ثم دفعه إلى المطابع للتنفيذ.
وبذلك نكون قد كتبنا نحن تاريخنا بأنفسنا بعد التجارب الكثيرة التي كتبت تاريخنا وعبت فيه عباً..!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي