أرجوك .. لا تخجلي
أتألم كثيراً حين أوجّه سؤالاً للأمهات ويأتيني الجواب نفسه من الأغلبية ولن أقول الجميع حتى أكون منصفة، أما السؤال فهو "هل تحتضنين ابنك سواء كان مراهقاً أو رجلاً راشداً؟" فأما الجواب فهو "لا والله أخجل"!
الابن حين يصل سن الرجولة فهذا لا يعني أنه قد استغنى عن حب الأم وحنانها وعاطفتها الصادقة، بل هو أحوج ما يكون إليها، لذلك أستغرب من الأمهات اللاتي يتوقفن عن احتضان أبنائهن حين ينتهوا من المرحلة الابتدائية ولكأنما أبناؤهن في هذه السن يتحولون إلى "ديناصورات" لا تحتاج إلى العاطفة والاحتواء!
فأعاود السؤال مرة أخرى "ما أسباب عدم احتضانك له وإحساسه بحنانك؟!".
فيكون الجواب صاعقاً أكثر من الإجابة الأولى "والله أنا تربيت وشفت أمي ما تحتضن إخواني"!!
حينها أتذكر قصة ذيل السمكة والتي كانت ربة المنزل تصر على قطع رأسها وذيلها حين تدخلها في الفرن، وحين سألها زوجها عن السر في قطع ذيل السمكة ورأسها؟ قالت لا أدري ولكني رأيت أمي تصنع ذلك وحين اتصل الزوج بالأم وسألها السؤال نفسه أجابت لا أدري، ولكن أمي كانت تفعل الشيء نفسه، واتصل الزوج بالجدة، وسألها ما السر في قطع رأس السمكة وذيلها قبل إدخالها الفرن جاءه صوتها ضاحكاً، وهي تقول: لقد كانت الصينية التي أضع بها السمكة صغيرة جداً لا تكفي السمكة كاملة فكنت أضطر إلى قطع ذيلها ورأسها!!
وهذا بالضبط ما يحدث، فحين لا تحتضن الأم ابنها المراهق أو الشاب الراشد لمجرد أنها لم تشاهد أمها تفعل الشيء نفسه مع أشقائها فإنها هي أيضا تؤدي الدور نفسه لا شعورياً، بل تتمسّك بالأعذار المتسلسلة نفسها عبر الأجيال المتتالية!!
إن ظللنا نزرع الجفاف العاطفي في قلب الطفل الصغير والمراهق والشاب فسنحصد ثمار اللامبالاة واللاحتواء واللاهتمام بالزوجة والأبناء والأسرة فيما بعد.. في كثير من الأحيان تشتكي الزوجة من "تطنيش" زوجها لأطفاله وعدم إحساسه بها وافتقاده مشاعر الحب والحنان، بل تذهب لأبعد من ذلك حين تقارن زوجها بأزواج قادمين من بيئات اعتادت أن تغدق على أبنائها الكثير من مشاعر الحب والاحتواء والاحتضان، وتكاد تذهب نفسها حسرات حين تشاهد أبا يلعب الكرة مع أبنائه في حديقة عامة أو زوج ينظر لزوجته باهتمام وحب عميق، بينما هي تقبع مع أطفالها وحيدة من دون زوجها المشغول برفقة أصدقائه "بالاستراحة"!!
لقد كشفت الدراسات النفسية الأخيرة عن أن احتضان الوالدين ابنهما واللمس على كتفه يزيدان من ذكائه ونموه الطبيعي، إذ إنه يساعد على إفراز مادة الأندروفين في الجسم، وهي موصل عصبي يساعد على تخفيف العصبية والقلق النفسي والإحساس بالألم...!!
لذلك أرجوك لا تخجلي واحتضني ابنك من الآن حتى وإن كان على أعتاب الـ 40.. كفانا جفافاً أسرياً!!