الصين تمزج الاقتصاد بالسياسة في الشرق الأوسط
تعد بعثة إزالة الألغام الصينية في لبنان مؤشرا صغيرا على انخراط بكين السريع والمتنامي في الشرق الأوسط حيث يدفعها سعيها النهم لتأمين موارد الطاقة في القرن الحادي والعشرين إلى شحذ اهتمامها بالاستقرار الإقليمي. وتعمل الصين بدأب لإقامة روابط اقتصادية وسياسية في المنطقة التي تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تمد الصين بنحو 70 في المائة من وارداتها النفطية بحلول عام 2015، لكن في سبيلها إلى ذلك تخاطر باستثارة عداء الولايات المتحدة شريكها التجاري الرئيسي. وتتودد الصين إلى حلفاء الولايات المتحدة مثل السعودية بقدر الحماسة نفسه الذي تبديه تجاه إيران، سورية، والسودان وجميعها على خلاف مع الغرب وتعتبرها واشنطن "رعاة للإرهاب". ومن طهران حتى الرباط يبدو أن عواصم معدودة ينتابها القلق بسبب تنامي ثقل الصين على الأقل كقوة تجارية في منطقة كانت تحظى فيها بقدر محدود من الوجود، قبل أن تصبح مستوردا صافيا للنفط عام 1993.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
في قاع حفرة عميقة حفرتها جرافة يقوم جندي صيني يرتدي خوذة واقية بإزالة التراب للكشف عن قنابل غير منفجرة خلفتها الحرب بين إسرائيل ومقاتلي حزب الله في جنوب لبنان. وتتساقط حبات العرق على جبهة السرجنت ليو سينبشي أثناء قيامه بمهمته المحفوفة بالمخاطر. ويعمل ليو ضمن بعثة صينية تتألف من 190 فردا من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي تهدف إلى إحلال الاستقرار في الجنوب اللبناني. وتعد بعثة إزالة الألغام الصينية في لبنان مؤشرا صغيرا على انخراط بكين السريع والمتنامي في الشرق الأوسط حيث يدفعها سعيها النهم لتأمين موارد الطاقة في القرن الحادي والعشرين إلى شحذ اهتمامها بالاستقرار الإقليمي. وتعمل الصين بدأب لإقامة روابط اقتصادية وسياسية في المنطقة التي تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تمد الصين بنحو 70 في المائة من وارداتها النفطية بحلول عام 2015، لكن في سبيلها إلى ذلك تخاطر باستثارة عداء الولايات المتحدة شريكها التجاري الرئيسي. وتتودد الصين إلى حلفاء الولايات المتحدة مثل السعودية بنفس قدر الحماسة التي تبديها تجاه إيران وسورية والسودان وجميعها على خلاف مع الغرب وتعتبرها واشنطن "رعاة للإرهاب".
ومن طهران حتى الرباط يبدو أن عواصم معدودة ينتابها القلق بسبب تنامي ثقل الصين على الأقل كقوة تجارية في منطقة كانت تحظى فيها بقدر محدود من الوجود قبل أن تصبح مستوردا صافيا للنفط عام 1993.
وقال سامي بارودي أستاذ العلوم السياسية اللبناني "الهيمنة والسيطرة والإمبريالية كلها أمور ترتبط بالولايات المتحدة وأوروبا. الصين لا ينظر إليها على هذا النحو. العرب يقدرون قوتها الاقتصادية لكنهم لا ينظرون إليها باعتبارها تهديدا سياسيا". وترحب النخب الحاكمة في إيران والوطن العربي بتطلع الصين لإقامة أعمال دون إثارة مسألة حقوق الإنسان والديمقراطية. ويفضلون دعوة الصين للحوار العالمي بشأن الصراعات مثل النزاع المتعلق بالملف النووي الإيراني مقارنة بالدعوات العسكرية أحادية الجانب للإدارة الأمريكية. وحتى هؤلاء المقربين من الغرب أصابهم الإحباط من واشنطن جراء دعمها لإسرائيل والفوضى التي خلفها الغزو الأمريكي للعراق وتهديداتها لهؤلاء الذين يتحدون خططها لإعادة تشكيل المنطقة.
كما يرحب الكثيرون بتأكيد الصين احترام السيادة الوطنية وهو أحد أسباب معارضتها حرب العراق في مجلس الأمن الدولي وفي الآونة الأخيرة لتبني عقوبات تجارية صارمة ضد إيران أو تدخل الأمم المتحدة عسكريا في إقليم دارفور بالسودان. ويدفع بارودي بأن الناس العاديين في الشرق الأوسط وليس الحكام فحسب معجبون بالصين لنموها الاقتصادي الهائل ويعتقد كثيرون منهم - سواء كانوا مصيبين أو مخطئين - أنه تحقق دون التضحية بالعدالة الاجتماعية والقانون والنظام والقيم التقليدية.
وفي مصر أظهر استطلاع حكومي للرأي أن الصين ينظر إليها باعتبارها أكثر دولة مفضلة غير عربية حيث يعتبرها 73 في المائة من المصريين دولة ودودة، بينما يعتبرها 4 في المائة فحسب عدوانية.
وقال عبد الرؤوف الريدي الذي يرأس المجلس المصري للشؤون الخارجية "الصين لم يكن لديها طموحات استعمارية في الماضي أو حاليا وظهرت كقوة اقتصادية ذات خبرة مثيرة للاهتمام، ولهذا ففي مصر ميل قوي لإقامة علاقات في مجال التعاون الاقتصادي ومشاريع الطاقة".
أما الرئيس السوري بشار الأسد الذي أتاح مناخا من النقاش بعد فترة وجيزة من توليه السلطة عام 2000، فقد أوضح أن إصلاح الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة ستكون له الأولوية في مواجهة التغيير السياسي في سياسة قال منتقدوه الليبراليون إنها مستوحاة من "النموذج الصيني".
لكن هؤلاء المنتقدين يرون أن الصين على خلاف سورية تخلصت من
"حرسها القديم" وأوجدت فرصا اقتصادية كبيرة وأن دمشق ليس بمقدورها منح شيء يقارن بما قدمته الصين للتملص من مطالب الإصلاح السياسي والاجتماعي والقضائي. كما تطلع الأسد بانفتاح نحو الصين في سعيها للاضطلاع بدور أكبر في الشرق الأوسط بعد أفول نجم الاتحاد السوفياتي السابق حليف سورية. ونقل عنه قوله عام 2002 إن الصين أصبحت قوة عظمى وهي على قدر كبير جدا من الأهمية بعد غياب الاتحاد السوفياتي.
وبالنسبة للسعودية تمثل الصين ثقلا كبيرا، واختارها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتكون الدولة التي يقصدها في أول زيارة خارجية له كملك للبلاد، ووصفها بأنها "دولة صديقة حقا". وقيام الصين بالمزج بين السيطرة السياسية والنمو الاقتصادي يجتذب السعودية وغيرها من دول الخليج المنتجة للنفط المدعومة بمكاسب واسعة غير متوقعة لأسعار النفط.