رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ما مدى جاهزية المرافق الصحية الحكومية للاستثمار؟

<a href="mailto:[email protected]">fah_arab@yahoo.co.uk</a>

تعتبر الخدمات الصحية محور نجاح خطط التنمية الشاملة لكل دولة. وإذا ما تم الاهتمام بالاقتصاديات الصحية من خلال توظيف الاستثمار لصالح المواطن فسيكون عائده كبيراً جدا على القطاع والمواطن في آن واحد, وذلك بتوفير وضع صحي آمن ومرض لأفراد المجتمع كافة, الذي في النهاية يؤدي إلى زيادة القدرة الإنتاجية للمجتمع بشكل عام. في هذا الخصوص يلاحظ أن التوجه لعملية التخصيص في القطاع الصحي في حاجة إلى نضج البيئة وإعادة تأهيل المرافق, قبل الحديث عن نظم التخصيص وأنظمة التأمين. فالجاهزية للتحول الكبير والمؤثر ليست ورقية بل هي بنية تحتية واستعداد بشري, وأداء نظام متكامل, لأن الإنفاق إذا لم يؤدّ إلى مضاعفات اقتصادية واضحة على الناتج الإجمالي المحلي للدولة, وإذا استمر بالمستوى الخدمي نفسه، فإن ذلك يؤدي إلى سوء تخصيص الموارد التي ستصبح أعباء اقتصادية وصحية توجب التعامل معها "جراحيا" في ذلك الوقت. لذلك علينا أن نعيد الحسابات لئلا نستمر في الدوران في حلقة مفرغة. من ناحية أخرى, إذا كان ذلك هدراً فالتخلف أو قلة الوعي أو ضعف برامج التوعية تجعل المسيرة هدرا مركبا. لذلك فالأولى, في القطاع الصحي, أن نسعى إلى خفض تكلفة التشغيل، بتعديل ثقافة الكيان الصحي بما يلائم إجراءات أسلوب إدارة الجودة الشاملة لكي نضع أقدامنا على طريق التخصيص والتأمين بثبات. وهذا يتطلب أن تكون هناك قناعة بأهمية دورها في نجاح هذه المرافق الصحية لتحسين الخدمات الصحية. كما لابد من تجاوز الرغبة في تحقيق متطلبات المستفيد إلى رفع الكفاءة الداخلية للنظام الصحي بشكل عام ببذل الجهود الحثيثة من قبل المستويات الإدارية والفنية كافة, وفي مقدمتها الإدارة العليا.
إن مجرد السعي في تحقيق الجودة الشاملة في المرافق الصحية الحكومية, يكسبها ثقة أكبر شريحة ممكنة من المجتمع. كما أن قدرتها على مقارعة أجهزة أكثر تميزا منها تعني أن لخدمتها قيمة مضافة تسهم في زيادة مستوى الثقة بخدماتها. وللوصول لهذه القدرة التنافسية, فهناك مقاييس عامة وخاصة للأداء, ومؤشرات حيوية تعكس مستوى الخدمات الصحية بشكل عام, وخدمات المرفق الصحي بشكل خاص, وهذه بدورها أدلة, أيضا, على مدى تقديم خدمة صحية ذات قيمة مضافة. من أهم المعايير لقياس مدى جاهزية المرافق الصحية: قياس مدى تأدية حقوق المرضى, قياس أثر تنامي أو تناقص أعداد المرضى المراجعين لهذه المرافق في مختلف وظائفها وخدماتها. طول قوائم الانتظار, وارتفاع أو انخفاض حالات الطوارئ في المستشفيات, وما تم تنويمها منها أو علاجها والسماح لها بالخروج, وعدد الفحوص المخبرية المطلوبة وأنواعها, وعدد العمليات الجراحية في كافة التخصصات ومعايير إجرائها, ومستوى تأثير التجهيزات الحديثة والنقلة التي يمكن حدوثها من استخداماتها في الفحص والتحليل المخبري والعلاج, وتتوازى مع ذلك جاهزية أطقم العمل كافة من أطباء وفنيين وإداريين على استخدام هذه التجهيزات والتقنيات والتعامل معها بكفاءة, مع توافر أنظمة أو وسائط اتصالات حديثة وقواعد بيانات شاملة ومحدثة دوريا يمكن ربطها, في أي وقت وعند الحاجة, مع مرافق أخرى لتبادل معلومات المريض. وما مدى تأثير علاقة مستوى رقابة العمل وتنظيمه ونظافة المرفق بكل ما سبق، حيث تعتبر من محددات منافسة المنتج من حيث الجودة والسعر. ويضاف إجمالا قياس مدى إيجابية زيادة عدد الأسِرَّة في المستشفيات على مستوى المنطقة أو على مستوى المملكة الذي يعتبر محددا مهما للميزانية المفترض رصدها للتشغيل. حيث تتوزع 28.751 سرير على 200 مستشفى, بمعدل إشغال لا يزيد على 66 في المائة. أما فيما يتعلق بتقديم الرعاية الصحية الأولية, فمؤشرات مثل: متابعة الحالات العامة والأمراض المزمنة, ومتابعة الأمهات خلال وبعد الحمل, ارتفاع أو انخفاض معدل الولادات والوفيات, ومعدل تغطية التطعيمات للأطفال, انخفاض أو ارتفاع معدل وفيات الأطفال الرضع ووفيات الأمهات، إضافة إلى ذلك حالات شلل الأطفال والأمراض المعدية وقوة برامج مكافحتها, إضافة إلى الإحالات للمستشفيات, تساعد كثيرا في تحديد ملامح تحسن الخدمات الصحية وبالتالي تلبية رغبات طالبي الخدمة بالذات في الهجر والقرى وأطراف المدن. المراجع العلمية والتقارير الدولية ومؤلفات بعض من أثْروا هذا الجانب من منسوبي القطاعات الصحية أو أساتذة الجامعات متوافرة, ولكن يبدو أن هناك حاجة للاطلاع عليها ومن ثم إعادة تنظيم أداء العمل بجدية تامة وبأسلوب علمي ومنهجي ليحقق رضا المستفيد من مستوى ونوع الخدمة ويكون مجال جذب استثمارياً بقاعدة عريضة على مستوى المملكة. مبدئيا علينا أن نجيب عن سؤال مهم وقد يعيد صياغة النظام الصحي بكامله وهو: هل النظام الصحي قائم أساسا على نظام العلاج بالمستشفيات بمعنى Secondary and Tertiary Health Care أم مبني على نظام الرعاية الصحية الأولية Primary Health care؟. فالأول باهظ التكاليف ويتطلب استثمارات كبيرة جدا, إضافة إلى التخصصية العالية في تقديم العلاج مما يجعل أداءه مرهوناً بالتزام مقدمي الخدمة لضوابط أخلاقيات المهنة, بعكس الثاني الذي يقدم من خلال ألفي مركز صحي حكومي على مستوى المملكة, ولا يتطلب تلك الاستثمارات الكبيرة لتنفيذه, إضافة إلى أنه حق أساسي لكل مواطن.
إن الإجابة بكل وضوح سترسم استراتيجية طويلة المدى للنظام الصحي في المملكة وتحسن قدرة المرافق في تقديم خدمات صحية مُرْضية. وما ننتظره الآن هو نشر نتائج أي دراسة عامة ومتخصصة تبين مدى ما تحقق وأنجز على مستوى المرافق الصحية الحكومية كافة. ومن المنتظر أيضا توضيح ما إذا كان هناك تباين في مستوى الخدمة المقدمة على مستوى المناطق أو بين المرافق ذاتها في كل منطقة؟, وما المطلوب في هذه المرحلة لفرض تقديم الخدمة بتوازن؟. وهل اتبعت استراتيجية لتصويب أو علاج الأخطاء؟, وما مدى ما تحقق من هذه الاستراتيجية؟. وهل استكملَ برنامج الإصلاح الصحي الشامل البنية التحتية للمرافق الصحية الحكومية وإعدادها بمتابعتها للتأكد من الالتزام بمعايير الجودة؟. وما حجم مسؤولية المجالس البلدية للمناطق مع الدوائر الخدمية الطرفية في هذا الشأن؟. قد نتوقع مبدئيا أننا حققنا القدرة التنافسية من خلال ما نشر عن التغطية الشاملة, وجودة الخدمات, وعدالة توزيعها, وضمان استمرارية نظام مرن يمكن تجاوبه مع المستجدات الطارئة واستيعابها في مواده وفقراته التنظيمية. وقد نتوقع أيضا أنه تم القيام ببرامج توعوية صحية بدأت بالهِجر والقرى قبل المدن, وللمناطق العشوائية في المدن قبل اكتمال الخدمات فيها؟, وقد نتوقع وصول أداء المرافق الصحية الحكومية لمستويات خدمية عالية جعلها جاهزة للاستثمار؟. إلا أنه ومن وجهة نظر شخصية, لاستثمار المرافق الصحية الحكومية لا بد أن تلقى الأسئلة المطروحة إجابات علمية, حتى يتم اجتياز المرحلة المقبلة بإيجابية وبكل ثقة بإذن الله. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي