الصناعات البتروكيماوية تستهلك 11.5% من إجمالي نفط "أوبك"

الصناعات البتروكيماوية تستهلك 11.5% من إجمالي نفط "أوبك"

أوضحت في المقال السابق نبذة عن الطلب العالمي على النفط وتنامي هذا الطلب بنسب مختلفة في بلدان مختلفة تبعاً لظروف التنمية الاقتصادية والنمو السكاني في هذه البلدان، وفيما يلي جدول (رقم1) يوضح مقارنة بين استهلاك أهم عشر دول في العالم لعام 2004م. ويجب التنبيه على أن الأرقام المذكورة في الجدول تُعنى بالنفط الخام التي يتم تكريره في هذه الدول بغض النظر عن الاستهلاك الداخلي، مع مراعاة أن بعض الدول مثل المملكة لا تستهلك كل طاقتها التكريرية، حيث إنها تكرر 2.1 مليون برميل يومياً فتستخدم نحو ثلثي ناتج التكرير وتصدر الباقي للخارج كمشتقات نفطية.
وأياً كان الحال، فالحقيقة أن طاقة المملكة التكريرية تعتبر من الأعلى بين دول العالم كما يوضح الجدول هذا بدون الزيادات التي من المزمع إقامتها، حيث أعلنت شركة أرامكو عن إقامة مصفاتين جديدتين في كل من الجبيل وينبع بطاقة إجمالية تقارب 800 ألف برميل يوميا، ما قد يرفع المملكة لتمثل المرتبة الرابعة في العالم من حيث القدرة التكريرية بعد الولايات المتحدة، الصين، واليابان. وفيما يلي أود أن القي الضوء على أسباب زيادة الاستهلاك النفطي في المملكة ومسوغاتها.
شهدت الدول المصدرة للنفط كلها باستثناء النرويج نموا كبيرا في استهلاكها للنفط، وتفاوت هذا النمو من بلد إلى آخر بحسب ظروف كل منها. وبحسب الأرقام التي نشرتها هيئة معلومات الطاقة EIA فإن المملكة شهدت زيادة سنوية ملحوظة من حيث استهلاكها للنفط بلغت 11 في المائة عام 2005، وفي السياق نفسه زاد استهلاك الإمارات للنفط بنسبة 10 في المائة، الكويت 7 في المائة، وإيران 5.3 في المائة، ما يعني أن معظم دول "أوبك" الشرق أوسطية تتسارع في استهلاك ما تنتجه من نفط والحقيقة لو قارنا هذه الزيادات مع الدول الصناعية الكبرى (مثل الولايات المتحدة واليابان ودول الاتحاد الأوروبي) المستوردة للنفط، لوجدنا أن هناك اتجاها واضحا يدل على عدم وجود أي زيادة ملحوظة في الاستهلاك (طبعاً باستثناء الصين والهند).
فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة، وهي أكبر مستهلك للنفط في العالم استهلكت عام 2000م ما يقارب 20 مليون برميل يوميا، وعام 2005م زاد استهلاكها 900 ألف برميل يومياً فقط عن عام 2000، أي بزيادة سنوية تقدر بأقل من 1 في المائة، وكذلك اليابان على المنوال نفسه لم تشهد أي زيادات ملموسة في استهلاكها النفطي منذ 1993 إلى الآن، وهي تحافظ على معدل 5.5 مليون برميل يومياً أي في 13 سنة زاد استهلاكها 100 ألف برميل فقط أي أن الزيادة لا تكاد تذكر.
وقد يكون سبب هذا الاستقرار في الاستهلاك لدى هذه الدول هو محافظتها على معدلات نمو ثابتة إضافة إلى نهضتها الصناعية المخضرمة والتي لم تعد جديدة كالدول النامية التي تحتاج لكميات كبيرة من الطاقة لدفع عملية الصناعة والازدهار الاقتصادي، ولا ننسى أن هذه الدول المتقدمة صناعياً قد بنت وأسست لصناعاتها منذ زمن بعيد، وأيضاً بنت بنيتها التحتية في كل المجالات مثل المواصلات والخدمات وغيرها. ويجب مراعاة أن النمو السكاني في هذه البلدان غير كبير بالمقارنة بالدول النامية فمثلاً النمو السكاني في اليابان يكاد لا يذكر.
أما بالنسبة للزيادات الهائلة في استهلاك الدول المصدرة للنفط، ومن ضمنها المملكة، فيرى المراقبون أن أسبابها ترجع إلى:
* زيادة معدلات النمو الاقتصادي.
* زيادة النمو السكاني في هذه البلدان.
* زيادة مبيعات السيارات في هذه الدول.
* زيادة الصناعات البتروكيماوية.
أما بالنسبة لنمو هذه الدول اقتصاديا، فيعود السبب الرئيسي إلى زيادة عوائد النفط التي تدخل إلى هذه البلدان، ما ينعكس على خطط التنمية إيجابيا. وأيضاً النمو السكاني الكبير في بلدان الخليج الذي ساهم أيضاً في تنامي استهلاكها للنفط، فوصل معدل نمو السكان في المملكة عام 2005م إلى 2.2 في المائة، الكويت إلى 3.6 في المائة، والإمارات إلى 1.6 في المائة. أما بالنسبة لزيادة مبيعات السيارات فالإحصائيات الداخلية تشير إلى أنه في عام 2005م حصل تنام في أعداد السيارات في المملكة بنسبة تصل إلى 10 في المائة مقارنة بـ -4 في المائة في النرويج، وهذا يعني أن النرويج شهدت انخفاضا في مبيعات السيارات عام 2005م مقارنة بعام 2004م.
أما المفاجأة في هذه الإحصائيات فكانت من نصيب الإمارات،حيث شهدت مبيعات السيارات فيها نموا قدره 108 في المائة، الكويت 40 في المائة، فنزويلا 55 في المائة، وإيران 10 في المائة، ما يدل على أن دول "أوبك" تشهد بالمجمل رخاء ونموا اقتصاديا انعكس على رفاهية مواطنيها، وإن كان مؤشر مبيعات السيارات ليس كل شيء.
الصناعات البتروكيماوية تعد أيضاً من الأسباب الرئيسية لزيادة استهلاك دول "أوبك" للنفط، فدول الخليج العربي وإيران تشهد طفرات وقفزات في هذه الصناعات، ما جعل هذه المنطقة أكبر منتج للبتروكيماويات في العالم، وبالتالي جعلها محط أنظار كبرى شركات البتروكيماويات. ويبدو أن هذه الشركات تتسابق لعمل شراكات استراتيجية مع الشركات المحلية، فنتيجة لذلك قفز إنتاج مادة الإيثيلين (مادة أساسية لصناعة المواد البلاستيكية) في هذه الدول قفزات أذهلت العالم. فمن عام 2004م هنالك 20 في المائة زيادة في إنتاجه سنوياً إلى عام 2011م.
بشكل عام ومختصر تستحوذ هذه الصناعات البتروكيماوية على 11.5 في المائة من إجمالي استهلاك النفط في هذه الدول، وهذه النسبة مرشحة للصعود في المستقبل القريب. وفي المملكة لا ننسى أن محطات تحلية المياه المنتشرة فيها تستهلك أيضاً كميات ليست بالقليلة من زيت الوقود المشتق الثقيل من عمليات التكرير مكونة مركزا مهما من مراكز الاستهلاك النفطي.
وختاماً لا شك أن النمو الاقتصادي الذي تشهده الدول المصدرة للنفط، إضافة إلى النمو السكاني الكبير الذي زاد الحاجة للوقود لوسائل النقل المختلفة، إضافة إلى النمو في الصناعات البتروكيماوية، قد زاد كمية استهلاك الدول المصدرة للنفط لنفطها دون زيادة مماثلة في الكميات المصدرة من النفط، وهذا قد يعني، بالإضافة إلى زيادة النهم الآسيوي للنفط، أن أسعار النفط لن تشهد انخفاضا كبيرا على المدى القريب.

* أكاديمي متخصص في صناعة تكرير النفط والبتروكيماويات ـ الظهران

الأكثر قراءة