أزهى عصور الشعر النسائي .. مشاركة الشاعرات لم تتعدَّ 20 %
ظلت المرأة وستظل ـــ وفقا للكثيرين ـــ ميدانا خصبا للنزاع والنقاش في جل شؤون حياتها بين مؤيد لها ورافض لوجودها على الساحة الأدبية والمشهد الثقافي خاصة في الحراك الشعري، إذ تسبب هذا الخلاف حول ظهور المرأة كشاعرة في الميدان ووقوفها بصف الرجل على المنصات إلى تراجع النشاط الشعري النسائي وغياب أسماء العديد منهن ممَّن ظهرن في وقت سابق، حيث لا تتجاوز الآن نسبة حضور الشعر النسوي 20 في المائة كحركة أدبية ثابتة الوجود أمام نظرائهن من الشعراء الرجال، ورغم هذه النسبة الزهيدة هناك من يرى أن العصر الحالي هو أزهى عصور الشعر النسائي في السعودية.
وبالتتبع لتاريخ وجود الشاعرات في بلاد مثل المملكة العربية السعودية، فهو يعد قديما منذ الأزل واشتهرت به نساء الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده كالخنساء التي اشتهرت بشعر الرثاء ولم تُعَبْ أو تُهَنْ على ذلك رغم انتشار قصائدها على الأفواه، وصولا لشاعرات نبط برزن في العصور المختلفة لتاريخ المنطقة، إلا أن مجريات العصر الحديث لم تسهم في بزوغ شاعرات رائدات يشار إليهن بالبنان عدا أسماء بذلت جهدا ذاتيا وكافحت لتصل إلى ما صارت إليه.
#2#
#3#
#4#
وفي هذا الصدد، تقول الشاعرة الدكتورة ثريا العريض إن حدوث ردود أفعال ضد حضور المرأة واعتلائها منصة الإلقاء في الميادين والمحافل الثقافية في الساحة المحلية، واستقبال المحيط المخيف الذي ينظر للمرأة ككائن ممنوع من إظهار صوته الإبداعي عزز من إصابة الشاعرات بنوع من الإحباط لدى البعض منهن، رافضة القول بانعدام النشاط الشعري النسوي في المنطقة أو تعميم قلة الحراك الشعري من قبل النساء أو وصف الشعر النسائي بالشعر الإباحي عند تقليد بعض منهن الشعر الذكوري بعد نجاحه باعتبار المجتمع متسامحا مع الرجل بعكس المرأة، مؤكدة أن الساحة تثبت وجود الأسماء المميزة في الشعر استنادا لاختلاف مستويات الشاعرات وتمكنهن في الكتابة الشعرية.
وانتقدت العريض تقاتل بعض الشاعرات في الساحة المحلية على إبراز الذات ونيل الظهور الذي قد يؤثر سلبا في الشاعرات المبتدئات من الجيل الجديد، إذ لا بد من اتصاف الشاعرات بالنضج في كيفية الظهور بالصورة اللائقة، وقالت: من النادر جدا أن نجد من يكتب الشعر لأنه مبدع لا لأنه متطلع لشيء آخر، فأنا حققت ما أريده لنفسي وما أستحقه وخرجت من المستوى المحلي وصولا للعالمي، أما بالنسبة للأخريات فلا أعلم ماذا فعلن، لأن التجربة الشعرية هي تعبير عن الشعور العميق والإحساس الذي يتملك الإنسان تجاه القضايا المعاصرة المحركة والمفجرة للقصائد على ألسنة الشعراء والشاعرات.
كما أبدت العريض استغرابها من اتكاء عدد من الشاعرات على تأطير أنفسهن ضمن مجموعة وتحت مظلة المبدعين بدلا من اجتهادهن الذاتي على أنفسهن كفرد يتحمل مسؤولية إبداعه وتقبل الجمهور لعطائه أو رفضه، مضيفة أن لكل فعل ردة فعل وبالتالي على الشاعرات تحمل المسؤولية الفردية في الإبداع الصادق، ومحاولة استقطاب احترام الآخرين وعدم مهاجمة المجتمع كي لا ترجم من قبله أو يقوم بتكسير مجاديفها، ولا سيما أن الأوضاع مؤقتة لن تستمر المعاناة وستتعلم الأجيال القادمة من تجارب من سبقوها.
في حين، حملت الشاعرة ماجدة الدهام الجهات المعنية بالثقافة والأدب مع الجهات ذات العلاقة بالسياحة والتعريف بالأنشطة المحلية في المنطقة مسؤولية تراجع عدد من الشاعرات عن الحركة الشعرية في السنوات القليلة الماضية، إضافة إلى عدم وجود المحفزات والبرامج الدورية من قبل نقابة تعنى بالشأن الثقافي والنشاط الأدبي على مستوى الدولة، مشيرة إلى أن للمجتمع والعادات والتقاليد مع تبدل أحوال بعض السيدات وظروفهن الخاصة التأثير المباشر في عدم صمود بعض الشاعرات اللاتي عرفن وظهرن في الساحة في وقت سابق. وفيما يتعلق بتخوف بعض الشاعرات من تصيد العامة لأخطائهن أو تحرجهن من الوقوع في معضلة القوافي والأوزان الشعرية أثبتت الدهام أن مشكلة الشاعرات في بداية مشوارهن أنهن يفتقدن وجود الموجه والمصحح للأخطاء التي يقعن فيها في كتابتهن للقصيد من حيث السلامة والصحة والاكتمال، ومن حيث المطابقة للأوزان، إلا فيما ندر، حيث أدى هذا النقص والندرة إلى وجود الموجه، إلى تخوف الشاعرات من كشف أسمائهن الصريحة، إضافة إلى اكتفاء البعض الآخر بإبقاء القصائد على النطاق العائلي والأصحاب دون نشره، متمنية وجود جمعيات أو جهات تعنى بتدريب الشعراء والشاعرات المبتدئين على أيدي أساتذة متمكنين في كيفية الإلقاء ومعرفة أصول الكتابة بأبجدياتها وكيفية اكتساب الحضور وجذب الجمهور كالمعمول بها في الدول المجاورة وتفتقدها السعودية كاهتمام بالشعر والشعراء.
وقالت الدهام: منعني التحفظ المجتمعي وتفشي مفاهيم ثقافة العيب والخوف من تطاول الحديث آنذاك في أول بداياتي من الإدلاء باسمي الصريح وأطلقت اسما مستعارا وهو (موجة شمال) لكنني مع مواكبة العصر الحديث لم أمانع فيما بعد من كشف اسمي وإعلانه عند نشر قصائدي في المنتديات والصحف، نافية أن يكون عدم توافر الأجواء المناسبة والتشجيع قد سبب لها يوما تراجعا أو تقليلا من الكتابة أو أن يكون أصابها بنوع من الإحباط، لأن الشعر يمثل لها هواية وتنفيسا عن الروح وغاية لإسعاد الآخرين بالكلمات.
من جانبه، أكد الشاعر عبد الله آل إبراهيم المشرف على منتدى الساحل الشرقي، أن الوعي المجتمعي القاصر عن بلوغ مرحلة شبه الانغلاق وتسيد العادات والتقاليد فيه بإرادته يعكس واقع التراجع والتقلص في الساحة الشعرية النسائية في المشهد الأدبي والثقافي حتى وقتنا الراهن، يضاف إلى ذلك ما ينتاب بعض الشاعرات من الشعور بالخوف إزاء ما يترتب على ظهورهن لدى العامة وانكشافهن لدى الأهالي والأقارب، مع عدم ثقتهن بالنفس واعتراء بعضهن حالات الخجل من الظهور بالشكل غير اللائق لهن كشاعرات يتخبطن في جزئيات النص الشعري ولا سيما فيما يتعلق بالأوزان والقوافي. وقال آل إبراهيم: أصبحت نسبة الشاعرات اللاتي يستخدمن أسماء وهمية غير صريحة أقل من السابق، كون الأوضاع تغيرت بشكل غير متسارع وإنما بطيء، ولذا لا يزال هناك من تضع اسما مستعارا على المنتديات الأدبية والمواقع ذات الصلة بالشعر والشعراء ويتم التعامل معها وتوجيهها في تصحيح ما قد يبدر منها كأخطاء تنسيقية أو لغوية بمنتهى الخصوصية عن طريق الرسائل الشخصية احتراما لرغبتها في عدم الكشف عن حقيقتها طالما أرادت ذلك، ومنعا من الإحراج في تلقي المعلومة الصحيحة وتعديل الأخطاء والضرورات الشعرية التي تستفيد منها مستقبلا.
وأوضح آل إبراهيم أن ما يشكله الوجود النسائي كشاعرات مقارنة بالشعراء في السعودية أقل مما نسبته 20 في المائة، وذلك بسبب كثرة العوائق والضغوط التي يعانيها الشعراء بشكل عام من الجنسين، وعدم الحصول على التشجيع، إضافة إلى عدم توافر البوابة التي من خلالها يتواصلون فيها مع الآخرين، وبشكل خاص الشاعرات كونهن محاطات بدوائر لا تنتهي لترابطها جميعا كحلقة واحدة إن خرجت من دائرة وجدت الأخرى مغلقة، متمنيا في الوقت ذاته أن تبقى الشاعرة على إصرارها وعزيمتها مهما واجهتها من صعاب وتحديات وإلا تحول هذه العقبات دون وصولها للنهاية التي تريدها وهي فرض وجودها ككيان في المجتمع يمثل نصف المجتمع فعلا وليس قولا فقط.
وعن مدى مساهمة الشعراء في دعم الشاعرات والأخذ بأيديهن إلى المستوى المأمول منهن خاصة في ظل عدم وجود جهات تعنى بالشاعرات وتلبي مطالبهن وتحتويهن، دعا آل إبراهيم إلى ضرورة مساندة الشعراء للشاعرات والوقوف إلى جانبهن ومشاركتهن في الأمسيات وقراءة القصائد على المنتديات والتجمعات الثقافية حتى تصل هؤلاء الشاعرات إلى تحقيق طموحهن وآمالهن المرجوة عن طريق إيصال أصواتهن للآخرين، ولا سيما أن كثيرا من القصائد النسائية تحمل المظلومية والآلام الناتجة من تسبب الرجل فيها مع تسلط المجتمع الذكوري.
وأضاف آل إبراهيم أن الشعر الرومانسي من واقعنا المجتمعي هو الطابع الغالب على شعر الشاعرات أكثر من حمله قضايا أو هموما متراكمة وأنه لا يزال الشعر النسائي يحتاج إلى اهتمام أكبر ليصل إلى مرحلة التمكن الشعري بالمعنى المراد به، لافتا إلى توقعه أن يحمل الشعر النسائي صورا تتعدى المظلومية على المرأة في المستقبل القريب بعد حدوث التطورات والتغيرات المنتظرة بحق ما يخص مكانة الشاعرات وتلبية احتياجاتهن.
إلى ذلك، أبان الشاعر حسين آل دهيم أن نسبة ما يمثله وجود الشاعرات في الساحة الأدبية في أقصى علو يمكن أن تصله هو 25 في المائة أي ما يعادل الربع على مستوى المشهد الثقافي الأدبي السعودي ككل، وعلة المسألة تعود للضغوط الاجتماعية والموقف الذي يتخذه المجتمع من الأنثى في كل ميادينها ومجالاتها حتى يضيق عليها الخناق وصولا للنطاق العائلي، معدا العصر الحالي هو أزهى عصور الشعر النسائي في السعودية وإن تخفت بعض الشاعرات وراء الشاشات بسبب كثرة التعقيدات التي يواجهنها.
وأردف آل دهيم أن زيادة المسؤوليات على عاتق بعض الشاعرات أدى إلى قلة كتابتهن، وبالتالي قل نتاجهن الشعري وهذا لا يعني عدم وجودهن، إضافة إلى أن الصالونات النسائية فتحت مجالا للمشاركات على مستوى محدود وضمن إطار معين، وبذلك لا يمكن التعويل عليها لتكون منبرا ثقافيا كافيا للمشهد الأدبي، كون الأخير يحتاج إلى جهود مضنية وعمل دؤوب في وسط الضجيج غير المفسر تجاه المرأة من قبل التيار الصاخب والمتمكن.