رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المصادر النفطية ودقة المعلومات

على الرغم من الأهمية القصوى للمصادر النفطية وارتباطها الوثيق بجميع نواحي الاقتصاد العالمي، وكونها بحق شريان الحياة، إلا أن اهتمام المجتمع الدولي بصحة المعلومات التي ينقلها الإعلام حول الكميات المتبقية والقابلة للإنتاج يُعد في أدنى المستويات. والدليل على ذلك أن أرقام الاحتياطي العالمي الثابت وجوده، الذي من المفترَض أنها تُمثِّل حقيقة الوضع الحالي لمصادر الطاقة ويتداولها الكتاب والمحللون والوكالات الدولية المتخصصة لم تتغير جوهريا منذ أكثر من 20 عاماً مضت، وهي أصلاً قبل ذلك التاريخ لم تكن مؤكدة وموثقة، مع أن كميات الإنتاج في ازدياد مستمر ولم نسمع عن اكتشافات ذات أهمية تّذكر خلال تلك المدة.. فأي رسالة نبلغها للعالم المتعطش للطاقة؟
ومن باب الإيجاز لن نتطرق لوضع جميع الدول المنتجة والمصدرة، بل سنختار فقط دولة واحدة تُمثل معظم دول ''الأوبك''، وهي الكويت. فقد تم أول اكتشاف للحقول النفطية في الكويت عام 1938، متزامناً تقريباً مع اكتشاف النفط في المملكة. وفي عام 1984 وصل الاحتياطي الثابت وجوده في الكويت والقابل للإنتاج إلى ما يُقارب 64 مليار برميل، إن صح التقدير. وبعد عام واحد، أي في عام 1985 قررت حكومة الكويت رفع الاحتياطي من 64 مليار برميل إلى 90 مليار برميل بجرة قلم، كما فعلت آنذاك معظم الدول المصدرة للنفط داخل منظمة أوبك، رغبة منها، فيما يظهر، في رفع حصتها من السوق النفطية أو ما يسمى ''الكوتا''. وكان ذلك بقرار سياسي لا علاقة له بالواقع. وبعد بضعة أعوام ارتفع الاحتياطي الكويتي حسب التقديرات الرسمية إلى 100 مليار برميل. ومنذ ذلك التاريخ ورقم كميات الاحتياطي النفطي في معظم تلك الدول لم يتغير، ومنها بطبيعة الحال الكويت، على الرغم من إنتاج عشرات المليارات من البراميل النفطية خلال الـ 25 سنة الماضية. وتسربت خلال العقد الماضي معلومات غير مؤكدة رسمياًّ تُفيد بأن الاحتياطي الحقيقي المتبقي لدى الكويت لا يزيد على 48 مليار برميل، وهو احتياطي ضخم بكل المقاييس، بالنسبة لدولة صغيرة بحجم الكويت. وهناك احتمال كبير أن هذه المعلومات قد تكون صحيحة، لأننا لم نسمع عن أي تعليق رسمي ينفي صحتها.
ومن المعلوم أن عدد سكان الكويت الذين يحملون الهوية الكويتية لا يزيد على المليون نسمة. ومع ذلك فالإنتاج الكويتي اليومي يتجاوز 2.5 مليون برميل، وهذا إسراف فاحش لا مُبرر له وتفريط شديد في ثروة ناضبة. وكحال بقية مواطني الخليج، فالشعب الكويتي مستهلك وغير مُنتج وغارق في الرفاهية في جميع شؤون الحياة. وخطر ذلك هو أن الأجيال القادمة، عندما تنضب هذه الثروة الثمينة، لن ترث ما يمكن أن يفتح لها أي من مصادر الرزق كالعقول المبدعة والأيدي الماهرة والصناعات المتقدمة. وهذه هي حال جميع شعوب منطقة الخليج، فظروفهم وبيئتهم وحياتهم متشابهة، وكذلك سيكون مصيرهم، إن لم يتداركوا الأمر ويحافظوا على ما تبقى من ثرواتهم ويولوا أهمية خاصة للعناية بإنتاجية أفراد المجتمع كأساس للنمو الاقتصادي، بدلا من الركون فقط إلى استنزاف الموارد الطبيعية كمصدر للمعيشة. وكان الشعب الكويتي، قبل أربعة عقود، مُمَثَّلاً في مجلس الأمة آنذاك، مثالاً يُحتذى به في محاسبة المسؤولين عن الإسراف في إنتاج النفط الزائد على حاجة الاقتصاد الوطني، وهو ما لم نر له وجود اليوم لا في مجلس الأمة الجديد ولا في وسائل الإعلام المختلفة، بل ما هو حاصل اليوم هو العكس تماماً، إذ يُخطط المسؤولون في الكويت، حسب ما نسمع، لرفع كمية الإنتاج إلى مستوى أربعة ملايين برميل في اليوم عام 2020، وهو رقم خيالي بالنسبة لعدد السكان. ولماذا هذا الحرص الشديد على استنزاف ثروة ناضبة في بلد صحراوي وشعب غير مُنتج؟ هل أسقطنا الأجيال القادمة من حسابنا، ونسبة كبيرة من دخلنا الكبير اليوم تذهب للخدمات الترفيهية ومساعدات لدول هي أفضل حالا منا؟
وهنا نعود إلى صلب الموضوع، وهو أهمية إطلاع المجتمع الدولي على الوضع الحقيقي لمصادر الطاقة الرخيصة، ونعني بذلك احتياطي النفط التقليدي مُتدني التكلفة، الذي اعتاده العالم كمصدر رخيص وبكميات كانت دائماً تزيد على كميات الطلب. وهناك بطبيعة الحال النفط غير التقليدي: كالنفط الصخري والنفط الثقيل والرمال النفطية، التي تكوِّن احتياطياتها مجتمعة أكثر من ثلاثة أضعاف النفط التقليدي. لكن، لأن تكلفة إنتاجها يزيد على عشرة أضعاف تكلفة النفط العادي ولصعوبة إنتاجها بكميات كبيرة، فليس لها الأهمية نفسها، التي يتمتع بها النفط التقليدي. فكيف نوهم المستهلكين بأن الاحتياطي الكويتي، كمثل عن بقية الدول المصدرة، يبلغ أكثر من 100 مليار برميل، بينما هو في الواقع أقل من 45 مليار برميل؟ وقس على ذلك احتياطي بقية الدول المصدرة، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة. ولنفترض أن دول العالم اعتمدت على أرقام الاحتياطي الوهمي وبنت سياساتها المتعلقة بمستقبل مصادر الطاقة على هذا الأساس، وفجأة اكتشفوا بعد عقد أو عقدين أن الوضع مختلف تماماً وأن عليهم أن يُعيدوا حساباتهم من أجل أن يتفادوا وقوع كوارث اقتصادية وفوضى اجتماعية بسبب نقص في مصادر الطاقة سيكون ذلك مُتأخراً ولن يكون بالإمكان إصلاح ما أفسده الدهر، وسيكون الضرر عاماًّ يشمل حتى اقتصاد الدول نفسها المصدرة للمواد النفطية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي