دمج المصارف لتعزيز الاتحاد الخليجي
''صدق''، ''إيتاب الدولية''، ''المراعي''، ''زين''، ''المتحد''، ''المملكة''، ''أرامكو''، و''بترورابغ''، جميعها مؤسسات اقتصادية سعودية مرت بتجارب اندماج أو استحواذ، أو كليهما معا. تباينت أهداف عمليات الاندماج والاستحواذ هذه بين تشغيلية، أو تسويقية، أو جميعها معا. وتباينت في الوقت ذاته نوعية هذه العمليات بين أفقية، من خلال الدخول في قطاعات اقتصادية جديدة، وعمودية، من خلال التوسع في تقديم الخدمات والمنتجات داخل القطاع الاقتصادي الواحد. من الأمثلة على العمليات الأفقية دخول شركة المراعي قطاع الاتصالات من خلال شركة الاتصالات المتنقلة لتكوين زين السعودية. ومن الأمثلة على العمليات العمودية توسع ''أرامكو'' السعودية في قطاع البتروكيماويات من خلال الشراكة مع شركة سوميتومو اليابانية لتكوين شركة بترورابغ. لا يمكن الحكم على الجدوى الاقتصادية من تكوين عمليات الاندماج والاستحواذ هذه بشكل قاطع إلا بعد أن تأخذ هذه العمليات الوقت الكافي لتحقيق أهدافها التي أنشئت من أجلها. وعلى الرغم من طول الوقت الكافي هذا، إلا أن النظرة إلى التجارب الدولية في مجال الاندماج والاستحواذ تساعد عند تقييم الجدوى الاقتصادية من عمليات الاندماج والاستحواذ السعودية.
من التجارب الدولية في مجال عمليات الاندماج والاستحواذ تجربة القطاع المصرفي الماليزي خلال العقد الماضي في برنامج عرف باسم برنامج إعادة هيكلة القطاع المصرفي الماليزي.
ولد البرنامج بعد أزمة الأسواق الآسيوية عام 1997 وقبيل دخول الاقتصاد الماليزي تحت مظلة منظمة التجارة العالمية في 2003. ألقت أزمة الأسواق المالية الآسيوية عام 1997 بظلالها على كفاءة القطاع المصرفي الماليزي في مواجهة الأزمات الاقتصادية وامتصاص سلبياتها ما دفع السلطات المالية الماليزية ممثلة في البنك المركزي الماليزي إلى الإعلان عن برنامج إعادة هيكلة القطاعات المالية الماليزية من خلال آليتي الاندماج والاستحواذ.
لم تكن آليتا الاندماج والاستحواذ وليدتا اللحظة في القطاع المصرفي الماليزي، حيث سبقتها قبل عقود من الزمن مجموعة من عمليات الاندماج والاستحواذ. فخلال الثلاثينيات الميلادية من القرن الماضي اندمج بنك هونج كونج، والبنك الصيني التجاري، وبنك الصين عبر القارات لتشكل الشركة الصينية المصرفية عبر القارات. عقب ذلك استحوذ بنك هونج كونج وشنغهاي على أسهم بنك ميرشنتايل. وخلال الستينيات الميلادية من القرن الماضي استحوذ تشار ترد بنك على البنك الشرقي. وخلال التسعينيات الميلادية من القرن الماضي استحوذ بنك التجارة على بنك آسيا المتحد في 1990، ومن ثم اندماجه مع بنك بومبوترا ليشكلا بنك بومبوترا التجاري عام 1999. كما استحوذت مجموعة رشيد حسين المالية على بنك كونج ينج وبنك سايمي في 1996 و1999 على التوالي.
هدف برنامج إعادة هيكلة القطاعات المالية الماليزية إلى تحقيق هدفين رئيسين. الهدف الأول تطوير الملاءة الاقتصادية للمصارف الماليزية من خلال دمج الـ54 مصرفاً ماليزياً قائماً في عشر مجموعات مالية ماليزية جديدة. والهدف الثاني إعادة تأهيل المجموعات المالية الماليزية العشر الجديدة من خلال تطوير إمكاناتها لإكسابها الخبرة العالمية اللازمة للمنافسة العالمية تماشياً مع متطلبات منظمة التجارة العالمية.
بدأ تنفيذ برنامج إعادة القطاعات المالية الماليزية مطلع العقد الميلادي الماضي ضمن إطار عملي من أربعة محاور. المحور الأول توزيع الـ54 مصرفاً ماليزياً على عشر مجموعات مالية بما يضمن تحقيق أقصى درجات الربحية والأداء في المجموعات المالية الماليزية العشر الجديدة. والمحور الثاني تحقيق أقل درجة ممكنة من تعطّل تقديم الخدمات المصرفية والمالية للسوق الماليزية جراء تسكين فروع وموظفي الـ54 مصرفاً ماليزياً في مواقعهم الجديدة في المجموعات المالية الماليزية العشر الجديدة. والمحور الثالث تحقيق أقل درجة ممكنة من تكلفة تشغيل المجموعات المالية الماليزية العشر الجديدة بعد نشأتها. والمحور الرابع التأكد من أن متانة الملاءة الاقتصادية لكل مجموعة مالية ماليزية جديدة تتوافق مع المعايير الدولية بحث لا تقل حقوق المساهمين عن ملياري رنجيت ماليزي، قرابة 600 مليون دولار أمريكي، وإجمالي الموجودات عن 25 مليار رنجيت ماليزي، قرابة ثمانية مليارات دولار أمريكي.
بدأ تنفيذ برنامج إعادة هيكلة القطاع المصرفي الماليزي مباشرة بعد إعلان الإطار العملي واستمر قرابة العام الواحد. تباينت نتائج تنفيذ البرنامج بين إيجابية وسلبية. إيجابياً، سجلت مؤشرات ربحية القطاع المصرفي الماليزي مستويات أفضل من تلك قبل تنفيذ البرنامج، حيث سجل العائد على إجمالي الموجودات نمواً من 0.7 في المائة في 1999 إلى 1.5 في المائة. وسجل العائد على حقوق المساهمين نمواً من 9.8 في المائة في 1999 إلى 20.4 في المائة. وسجلت نسبة التمويل نمواً من 3 في المائة في 1999 إلى 5.5 في المائة. وسلبياً، تكوين ثماني مجموعات مالية ماليزية من أصل عشر مجموعات مستهدفة، وإعادة رسم الخريطة الجغرافية لفروع المجموعات المالية الماليزية الجديدة بإغلاق 187 فرعاً، وتغيير مواقع 50 فرعاً، وتقليص قرابة خمسة آلاف موظف من مجموع الموارد البشرية للقطاع المصرفي الماليزي.
وعلى الرغم من تباين نتائج تنفيذ برنامج إعادة القطاعات المالية الماليزية، إلا أن هناك العديد من المؤشرات تشير إلى قدرة القطاع المصرفي الماليزي على التنافسية العالمية خلال العقد الميلادي الحالي. من أهم هذه المؤشرات تواجه المجموعات المالية الماليزية الجديدة نحو تخصيص قطاعات الدعم الفني والإداري لديها، ما يساعدها على التركيز على تطوير أعمالها المالية. أضف إلى ذلك زيادة درجة التنسيق فيما بينها حول المستوى الائتماني لعملائها وإيجابيات ذلك على تخفيض نسبة عمليات التمويل المدعومة. يحمل برنامج إعادة هيكلة القطاع المصرفي الماليزي في طياته العديد من الفوائد حول دوافع، وأهداف، وآليات عمليات الاندماج والاستحواذ، وانعكاسات هذه العمليات على متانة الملاءة المالية للاقتصاد الوطني في مواجهة الأزمات المالية والتنافسية العالمية.
عديدة هي الفوائد عندما ننظر إلى منظومة الاقتصاد الخليجي من منظور تجربة إعادة هيكلة القطاع المصرفي الماليزي، فالمصارف الخليجية تعد ركيزة في نجاح مشروع الوحدة النقدية الخليجية. ومشروع الوحدة النقدية الخليجية يقف مع مشاريع الوحدة الاقتصادية الثلاثة الأخرى، السوق المشتركة، والاتحاد الجمركي، ومنطقة التجارة، لمثلت عناصر الاتحاد الاقتصادي الخليجي. والاتحاد الاقتصادي الخليجي يقف مع مشاريع الاتحاد الخليجي الآخرين، الاتحاد السياسي، والاتحاد الاجتماعي، لمثلت عناصر الاتحاد الخليجي الطموح المستهدف. يقودنا هذا التسلسل التصاعدي إلى الدعوة إلى تشجيع المصارف الخليجية القائمة على النظر في جدوى اندماجها بما يمكنها من أن تصبح كيانات مصرفية عملاقة ترتقي إلى تطلعات الاتحاد الخليجي وآفاقه.