رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الربيع العربي والخريف الفلسطيني

الفلسطينيون يموتون جوعًا في سجون سلطة الاحتلال الصهيوني الغاشم، وشراذم اليهود المجرمين الذين تسللوا إلى فلسطين من كل أصقاع الأرض يعيثون فسادًا في الأراضي المقدسة، وينعمون بخيراتها تحت حماية دولية، وسط تشرذم عربي وغياب للأمة الإسلامية، ناهيك عن انقسام الشعب الفلسطيني نفسه إلى فصائل ومنظمات وحركات لا تُضمر لبعضها وُدًّا، وأصبحت القضية هي الضحية. فسجون الاحتلال تغص بآلاف المواطنين الفلسطينيين من رجال ونساء حتى الأطفال، معظمهم كان قد اعتُقل دون ذنب اقترفه أو جرم واضح. ولما ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، وأيقنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه، قرر فريق منهم الإضراب عن الطعام، وهو أمر ليس بالهيِّن، ولا يطيقه إلا منْ وهبهم الله قوة تحمُّل وعزيمة وإرادة، لعل الله يُحيي القلوب الميتة، ويوقظ الضمير العالمي من أجل نصرة قضيتهم. ولا نعتقد أن لهم أملاً في زعماء الفصائل الفلسطينية المتناحرة فيما بينها، ولا في المنتمين إلى السلطة الفلسطينية التي هرمت وفقدت كل مقومات الحياة، إلا من رواتب ومكافآت منتسبيها. وها هم اليوم بين الحياة والموت، والعالم مشغول عنهم، وإسرائيل بطبيعة الحال تتمنى لهم الهلاك، وكل ما تحتاج إليه بعد موتهم هو القبض على عدد مماثل وتضعهم في سجونها لتحتفظ بمستوى عدد السجناء من الفلسطينيين لديها. ومنْ ذا الذي سيحاسبها ما دامت تحت حماية وحراسة دولة غاشمة كالولايات المتحدة التي تتحكم الهيئات الصهيونية في مقدراتها وسياساتها الداخلية والخارجية.
ونحن نقترح أن يُضِرب جميع أفراد الشعب الفلسطيني عن الطعام وعن الكلام غير المفيد، ويلتزموا بالعصيان المدني، ويتعلموا من الجيل السابق الرمي بالحجارة حتى يدموا سيقان جنود العدو الصهيوني. هناك ضحايا سيسقطون على أيدي أولئك الفجرة أمام شاشات الفضائيات، فيتحرك الرأي العام العالمي، وتخجل الأمة العربية من نفسها وتدفن زعامات الفصائل رؤوسها في الرمال، حيث لا يعجبها الخوض في مقاومة ربما تنتهي بقطع أرزاقهم. وليست هناك ضرورة لإطلاق صواريخ من ماركة ''قبل العصر الحجري''، ضررها على الأمة الفلسطينية أكبر من نفعها، وتكون مبررًا لاستخدام العدو أعتى أنواع الأسلحة والذخيرة الفتاكة بذريعة الدفاع عن النفس. فالعالم لن يتعاطف مع شعب نائم ومستسلم وراض بالذل والهوان. لا بُدَّ من إحياء شعيرة المقاومة مهما كلف الثمن. لا تُعطوا اليهود الصهاينة فرصة راحة العيش فوق أراضيكم المحتلة، ولا تتركوهم ينعمون بالأمان والاطمئنان، وإلا فستكون نهايتكم قريبة ومؤلمة. اتقوا الله في مصير أجيالكم. أين العزة والكرامة؟ لقد استهان بكم اليهود إلى درجة الاحتقار؛ لأنكم رضيتم بأن تكونوا مع الخوالف، بعد ما كنتم ُترهبونهم. انظروا إلى وجوههم الكالحة، وإلى هيئة رجالهم المتدينين المُقززة، وهم يتلفظون بأقذع الكلمات على كل ما هو عربي. إنهم أغبى من أن يدركوا أنها سوف، في يوم ما وعن قريب إن شاء الله، تدور عليهم الدوائر، ويذوقوا وبال أمرهم وجزاء طغيانهم ومقايضة عدوانهم. وأن عليهم أن يعودوا من حيث أتوا. لقد بدأت تدبُّ بينهم الاختلافات الاجتماعية بين العلمانيين والمتدينين بشكل لافت للنظر. وقد قال الله عنهم: ''تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى''. وهذا كفيل بأن يضعف عزمهم ويذهب ريحهم. لكن في المقابل، على الطرف الآخر أن يكون أكثر تآلفًا وتفانيًا من أجل استرداد حقوقه المسلوبة، ''وتلك الأيام نداولها بين الناس''.
هذا ليس من أحلام اليقظة، بل هو ما يجب أن يكون، لكن الأمر في مجمله في يد الشعب الفلسطيني نفسه. فعلى الأمة الفلسطينية أن تستيقظ من سباتها، وتنبذ كل ما له علاقة بمهزلة ما يُسمى المصالحة بين المنظمات والفصائل. جفت الأقلام ورُفعت الصحف، فلا مجال الآن لمصالحة ولا لمفاوضات بين الفئات المختلفة ولا فائدة من وجود كل منْ له علاقة بتلك المنظمات والفصائل التي عفى عليها الزمن. إن المنظمات والفصائل التي لا هَمَّ لها إلا تبرير وجودها على الساحة في هذه الظروف الصعبة لا تستحق الحياة. واستمعوا إلى شروط السلطة التي يجب أن تتوافر قبل أن يوافقوا على المحادثات مع العدو الصهيوني، وهي على كل حال مفاوضات شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع. يقولون لا مفاوضات قبل إطلاق سراح جميع المساجين. والعدو لن يطلق سراح سجين واحد حتى لا يفتح باب المفاوضات التي هي أصلاً لا يريدها مع الفلسطينيين. وعلى الشعب الفلسطيني المناضل، قبل أن يتحرر من القبضة الصهيونية، أن يتحرر من تلك الزعامات الفلسطينية البائدة الذين لا هم لهم إلا المتاجرة بالقضية على حساب مستقبل الشعب المغلوب على أمره. ونحن هنا لا ندعو لمجرد ''نخل'' الأفراد، بل إلى إزالتهم واستبدالهم بجيل جديد موحَّد تحت قيادة حكيمة ذات مبادئ، لا شرقية ولا غربية. ولعل الأجواء الجديدة التي خلفها الربيع العربي تكون عونًا لهم على التخلص من التحالفات والاتجاهات السياسية المختلفة، ويكون هدفهم الوحيد المصلحة العامة للشعب الفلسطيني.
إننا، ومن مبدأ الغيرة على مستقبل هذا الشعب المناضل العظيم، نناشد المخلصين من أفراد الشعب أن يبدأوا مشوار التغيير من القاعدة الشعبية بفسخ صلة الولاء للزعامات القديمة، وتهيئة الجو المناسب لقبول عهد جديد تحكمه الوحدة الوطنية ونبذ التفرقة والبعد عن الاستقطاب والتنطع بالشعارات الجوفاء، وذلك تحت مظلة ''دولة فلسطين الفتية''. واحذروا من مراوغات القيادة الصهيونية ومحاولاتها البائسة لطمس معالم القضية الفلسطينية عن طريق خلق قضية جديدة اسمها خطر العداء الإيراني لليهود، وهي خدعة واهية يكذبها الواقع والتاريخ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي