رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الدفاع المدني: الاستهتار بالتدريب

يشدّد خبراء التنمية على مدى الحاجة إلى التماسك الجزئي والكلي في إدارة التنمية، حيث إن العملية شاقة وطويلة ونجاحها ليس بالمضمون حتى في أحسن الظروف ناهيك عن إهمال متعمّد، والذي عادة يأتي لأسباب جزئية صغيرة. الفساد في أغلبه تدريجي وتنازل بسيط هنا أو هناك إلى أن نصل إلى الطامة الكبرى ثم نتساءل عن الحلول الكلية وكأن الجزئي ليس له علاقة. في جزء كبير من عملنا التنموي هناك ممارسة دائمة لهذه الوضعية. هذه مقدمة لحالة إدارية تمت تحت إشراف الدفاع المدني تعبّر عن ضعف النموذج التنموي في المملكة على الرغم من دفع مبالغ كبيرة.
ذكر مندوب شركة نمساوية منوط بها عقد لشراء وتجهيز وتدريب الكوادر السعودية في استعمال هذه المعدات والأجهزة الحديثة لإنقاذ أرواح المواطنين في المملكة إذا اقتضت الحاجة، أن اتفاقية التدريب تنص على أن تقوم الشركة النمساوية بتدريب السعوديين لمدة أربعة أسابيع في مكان واحد لتعظيم المدة والتركيز، وإذا بالدفاع المدني يضغط على الشركة لاختصار مدة التدريب لأربعة أيام فقط في كل منطقة، ولم تقف الأمور هنا، بل أصرّ الدفاع المدني على أن يتنقل فريق الشركة إلى كل المناطق لكي يوفر في الانتدابات وإقامة وتفريغ الشباب للتدريب، وهذا حتماً سيجعل مدة التدريب الفعلية أقل من أربعة أيام، فبدلاً من تدريب الجميع لمدة أربعة أسابيع يتم تدريب الجميع لمدة أربعة أيام. عقد بمبلغ 1.2 بليون ريال ينتهي بالاستهتار بالتدريب.
لا أدري هل هو الفساد أم المسافة الجغرافية أم أن الميزانية تدار بعقلية العقد ثم التفنن في الجزئيات، أم قلة تدريب القائمين على الإدارة والتدريب وعدم اقتناعهم بجدوى التدريب في إدارة الدفاع المدني ومن يرأسهم، للتهاون بند أهم من شراء المعدات. لكل منا القدرة على التخمين والتقدير، ولكن هناك تأكيدا على الضحية: المواطن مباشرة وسلامته ومشروع التنمية الوطني في مجمله. أنصاف الحلول واستثمار الحكومة مبالغ كبيرة في استيراد أحدث المعدات لا يكفي إذا كانت إدارة الدفاع المدني ليست دقيقة بما فيه الكفاية والكفاءة. تطوير البلاد يتعدّى القدرة على شراء المعدات، ولكننا لا نستطيع شراء القناعة بأن التدريب أهم من المعدات والإخلاص والكفاءة. أجزم أن الإخلاص في التدريب أهم من المعدات والأجهزة. الرابط مع التنمية الاقتصادية واضح: الجانب البشري هو الحلقة الأهم في سلم القيمة المضافة والأضعف في الكثير من الدوائر الحكومية؛ ضابط صف دفاع مدني لم يعط فرصة للتدريب لن يجيد استخدام الآلة، ولذلك لن يحافظ عليها، ولن يساعد على صيانتها، ولن يساعده الدفاع المدني على رفع مستواه الفني والمعرفي لكي يتقدم في حياته، وإذا لم يتقدم الدفاع المدني لن يتقدم المرور وأجهزة الوزارة المعنية الأخرى. نلوم الشباب على عدم الالتزام، والمديرون لا يأخذون المسؤولية بجد واحترام.
ما الحل؟
الحل طويل الأجل هو مراجعة العقود وإعادة مركزية التدريب وتدريب إدارة التدريب، والحل قصير الأجل هو إيفاد إدارة التدريب العامة بما فيها مدير عام التدريب (أعلى سلطة في الدفاع المدني) إلى كل مناطق المملكة البعيدة لمدة أربعة أسابيع دون انتداب للإشراف المباشر على تدريب هؤلاء الشباب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي