هل حان الوقت لتنشئ الشركات البتروكيماوية السعودية مصافيها؟

هل حان الوقت لتنشئ الشركات البتروكيماوية السعودية مصافيها؟

تعتمد صناعاتنا البتروكيماوية الحالية على لقيم الغازات وسوائل الغاز NGL, الأمر الذي حد من تنوع منتجاتها وازدهارها, لأنها باختصار تحتاج إلى أكثر من الغازات لكي تمضي قدماً في النهوض والمنافسة العالمية, خصوصاً أن الصناعة البتروكيماوية تعتبر شديدة التغير والديناميكية. الحاجة إلى المشتقات النفطية مثل النافثا المعالجة لصناعات العطريات وغير المعالجة لتكسيرها لإنتاج البروبيلين قد يضطر بعض شركاتنا إلى طلب هذه المادة الاستراتيجية من الخارج أو إنشاء مصانع لها في الخارج كأوروبا مثلاً . لذلك قد يكون من الحكمة أن تدخل مجموعة من الشركات البتروكيماوية في المملكة في شراكة للاستثمار في مصفاة ذات خاصية معينة لديها القدرة على إنتاج المواد العطرية وغازات الأولفينات مثل البيوتاداين والبروبيلين والإيثلين. إن مثل هذا التوجه من شأنه أن يؤدي إلى تخفيف الضغط على الاحتياطات الغازية المحدودة في المملكة, التي هي بالتأكيد أقل بمراحل من الاحتياطات النفطية, كما تحسن الإشارة إلى أن قيام مثل هذه الشراكة الاستراتيجية لإنشاء مثل هذه المصفاة له فوائد عديدة أخرى, منها فتح آفاق جديدة للصناعات البتروكيماوية في المملكة وإيجاد فرص عمل لقطاع كبير من الشباب المتعلم والمتدرب.
تطورت صناعة تكرير البترول كثيراً في الآونة الأخيرة وأصبح بالإمكان توجيهها لإنتاج لقائم لصناعة البتروكيماويات, فهناك الآن تقنيات متعددة تمتلكها الشركات العالمية لإنتاج مثل هذه المواد وبذلك تكون قد بدأت مسيرة جديدة في الصناعات البتروكيميائية وذلك باندماج هذه الصناعات مع صناعة تكرير النفط . ومن المعلوم أن "أرامكو السعودية" سبقت الجميع في المملكة لإنشاء مثل هذه المصفاة في رابغ بشراكة مع شركة سوميتومو اليابانية, وكذلك المشاريع التي أعلن عنها في كل من مدينتي ينبع ورأس تنورة, ولكن الفكرة المطروحة هنا أن تمتلك الشركات السعودية البتروكيماوية المحضة, وهي عديدة لمثل هكذا مصفاة بنظام الشراكة بحسب قدرة كل شركة على الاستثمار وحاجتها إلى القائم جديدة للصناعات البتروكيماوية الحديثة والمتنوعة.
فعلى سبيل المثال إذا ما تم إنشاء مصفاة بسعة 350 ألف برميل يومياً, نحو 50 ألف طن من الخام, ووظفت فيها التقنيات الخاصة بإنتاج المواد الأولية لصناعات البتروكيماوية فإن هذه المصفاة تستطيع أن تنتج, على سبيل التبسيط, ما قيمته على أقل تقدير 20 ألف طن يومياً النافثا, 20 ألف طن يومياً من غازات الأوليفينات بيوتداين وبروبيلين وإيثلين. وهذا يعني أن كميات هائلة من المواد العطرية BTX ستنتج عن طريق تهذيب النافثا وليس عن طريق تحويل الغازات المكثفة كما هو مستعمل الآن في كل من شركتي ابن رشد في ينبع والمجموعة السعودية في الجبيل مما يعني إقامة مجمع عطري عصري قادر على إنتاج كميات هائلة من مادتي البنـزين والبارازالين ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية مما يقود إلى المزيد من التوسع في صناعة البوليستر وفي صناعة المواد البلاستيكية الأخرى مثل البوليسترين وPET وأنواع أخرى لا حصر لها من المنتجات البتروكيماوية شديدة التخصص. ويبقى أن نذكر هنا أن سعر الطن من مادة البارازيلين قد تعدى 1200 دولار وكذلك سعر الطن من مادة البنـزين قد قارب ألف دولار في تشرين الأول (أكتوبر) 2006, ما يجعل جدوى إنشاء هذه المصفاة ناجحاً من دون أدنى شك, وذلك بسبب الطلب الصيني المتزايد على هذه المواد. ويمكن الإشارة إلى أن كلا من عمان وإيران والكويت قد سبقتنا بإنشاء هذه المجمعات العطرية المصنوعة من النافثا المنتجة من المصافي.
وكذلك فإن إنتاج كميات هائلة من غازات الأولفينات مثل البروبيلين يساعد على إنشاء صناعات كيماوية متخصصة أخرى مثل حامض الأكرليك ومادة الكيومين وغيرهما من المواد البتروكيماوية التي تتغير أهميتها بشكل مستمر, ولا سيما أن تقديرات معهد بحوث ستانفورد SRI الاستشاري تقول إن الطلب العالمي على مادة البروبيلين يتزايد سنوياً بنحو 4.1 في المائة, وهي النسبة نفسها لزيادة الطلب على مادة الإيثيلين. وهنا يجب التنبيه إلى أن معظم الإيثلين العالمي ينتج بواسطة عمليات التكسير سواء النافثا أو غاز الإيثان ولكن 40 في المائة من مادة البروبلين في العالم تنتج عن طريق مصافي النفط, ويتوقع المعهد أن يتم تزويد العالم بنحو 12 مليون طن سنوياً من مادة البروبيلين عن طريق مصافي التكرير وذلك بواسطة تقنيات التكسير الحفزي حيث تم تطويرها لإنتاج كميات أكبر من مادة البروبيلين. وعلى الرغم من ازدهار صناعة البتروكيماويات في منطقة الخليج العربي إلا أنه من المتوقع إنتاج تسعة ملايين طن يومياً من 12 مليون طن من مادة البروبيلين من مصافي آسيا وأمريكا الشمالية, أي أن حصة دول المنطقة قليلة جداً, وذلك بسبب افتقارها إلى العدد الكافي من وحدات التكسير الحفزي FCC حيث إن قدرتها التكسيرية لا تتجاوز 2.5 في المائة من قدرات العالم التكسيرية, وهذا بالطبع لا يتناسب مع مكانة دول الخليج كدول نفطية كبرى.
وعليه فإن إنشاء مثل هذه المصفاة في المملكة يحقق الأهداف التالية:
1 ـ استغلال النفط بطريقة اقتصادية أفضل.
2 ـ توفير فرص عمل وتدريب الشباب السعودي المتعلم.
3 ـ فتح آفاق جديدة للصناعات البتروكيماوية في المملكة.
4 ـ زيادة الدخل الوطني من مبيعات المواد البتروكيماوية.
5 ـ إقامة هذه الاستثمارات على أرض المملكة.
6 ـ تخفيف الضغط على مخزوناتنا الغازية المحدودة.
7 ـ تقليل تكلفة تصدير الخام, حيث يكرر 300 – 400 ألف برميل داخلياً بدلاً من تصديره.
8 ـ البدء في تصدير المشتقات النفطية الاستراتيجية مثل البنـزين والبارازيلين عوضاً عن الخام مما يزيد الربحية بشكل عام.

ورغم وجود قناعة بأن صناعة البتروكيماويات في المملكة قد بلغت مرحلة من النضج والقدرة وبالتالي فهي لا تحتاج إلى الكثير من الدعم من قبل الدولة لتأسيس مثل هذه المشاريع حيث إنها أصبحت قادرة على المنافسة العالمية، فإنه من المستحسن دعم بيع النفط الخام لهذه المصفاة خلال السنوات العشر الأولى من إنشائها للمساعدة على استرجاع الاستثمارات في تأسيس هذه المصفاة, التي تقدر بنحو ثمانية إلى عشرة مليارات دولار بما في ذلك مجمع العطريات لإنتاج مادتي البنـزين والبارازايلين, وكذلك وحدة التكسير الحفزي ومكسر النافثا البخاري لإنتاج المزيد من البروبيلين. ولكن بعد السنوات العشر الأولى يتوقع من هذه الصناعات البتروكيماوية أن تقف على قدميها وأن تحصل على النفط الخام بسعر يقارب الأسعار العالمية أو بتخفيض بسيط لأنها قادرة على الربحية من خلال بيع المواد البتروكيماوية بالأسعار العالمية العالية. وبهذا فإن هذه الصناعات تكون قد استفادت من إنشاء هذه المصفاة على النحو التالي:
1 ـ شراء النفط الخام بدعم لأول عشر سنوات.
2 ـ شراء الخام بعد السنوات العشر الأولى بتخفيض بسيط عن الأسواق العالمية يقدر بـ 10 ـ 20 في المائة مثلاً .
3 ـ الاستفادة من تكلفة النقل حيث تقام المصفاة بجانب المجمعات البتروكيماوية.
4 ـ توفير لقائم جديدة لصناعات بتروكيماوية حديثة أساسها الخام وليس الغاز.

وخلاصة مما سبق فإن قيام مثل هذه المصافي يحقق الأهداف الاستراتيجية للشركات البتروكيماوية السعودية بزيادة الإنتاج وتنويع المنتج, وهو ما يعني أيضاً استغلال أكبر للثروة النفطية وزيادة في الناتج القومي وتوفير الفرص الوظيفية لليد العاملة السعودية.

* أكاديمي متخصص في صناعة تكرير النفط والبتروكيماويات ـ الظهران.
[email protected]

الأكثر قراءة