لماذا تفشل ليبيا وسورية؟
هناك دول عربية كثيرة في حالة فشل أو قريبة من الفشل غير ليبيا وسورية، ولكن بسبب وضوح الأمثلة وتشابه الحالات ومحدودية مساحة العمود سنتحدث عن هذين البلدين فقط. تفشل الدول عادة لأنها مؤسساتياً (سياسياً) جعلت من السياسة وسيلة لخدمة مصالح ضيقة فلم تعمل على جعل المؤسسات خادمة للعمل الاقتصادي (تنمية الثروة للجميع). هذا ما خلص إليه كتاب جديد (لماذا تفشل الدول؟ للسيدين ستيقلو من MIT وربونسون من هارفرد). يصنف الكتاب الحالة المؤسساتية إلى نوعين، الأولى "الجامعة" والثانية "الطاردة"، النوع الأول يبني ويجند المؤسسات القادرة على البناء الاقتصادي مثل الحقوق السياسية والاجتماعية، حماية الحقوق الخاصة، احترام وتنفيذ العقود، تشجيع فرص تأسيس شركات صغيرة، أسواق تنافسية، والحرية للناس بدخول كل المهن؛ والآخر يتصف باقتصاد يستفيد منه من له علاقة مع النخبة الحاكمة، ويبدو ذلك واضحاً في الرشا والوكالات الحصرية والاحتكارات والامتيازات وتحديد سقف الوصول للوظيفة النافذة دون علاقة بالأداء. يذكر الكتاب مثال بيل جيتس في أمريكا حيث إنه نجاح أفاد الملايين عملاً وإبداعاً، بينما كارلوس سليم في المكسيك أفاد نفسه وليس المكسيك بسبب الضعف المؤسساتي.
اخترت حالة ليبيا وسورية لأن الأولى تعتمد على النفط بعد أن تمكنت مجموعة صغيرة انتهت بفرد واحد وعائلته بمصادرة ثروات ليبيا وفشلت فشلاً ذريعاً في بناء أي من الأركان المؤسساتية التي تتعدّى الأشخاص، وها هي ليبيا اليوم تعيش نتائج فشل البناء المؤسساتي. سرعان ما اكتشفت المجموعات الجديدة مدى المصلحة من تعظيم السطوة على الثروة وبدأ الشقاق بين رفاق الأمس الذين أسقطوا العصابة السابقة. لا أعرف فيما إذا هل سيستطيع الليبيون بناء مؤسسات أهم من الأشخاص أم أنهم سيدخلون مرحلة ترقيعية بعد أن تسيل دماؤهم استعداداً لمرحلة جديدة من الصراع والضياع. والأخرى سورية، فعلى الرغم من محدودية الموارد الطبيعية إلا أن السياسة كما ذكر الكتاب هي المدخل الرئيس للتنمية، هناك أيضاً عصابة تجارتها الرئيسة تعظيم الاستفادة المالية من مركزية سورية والالتفاف على كل من يمر بسورية. فالحكام وأقرباؤهم المباشرون لا يفرقون بين العام والخاص وبين السياسة والاقتصاد إلى حد ضياع الاثنين. لم يذكر الكتاب سورية وليبيا ولكنني رأيت أنهما أمثلة حية على فشل النخب في البناء وتغليب المصالح الضيقة على المصالح العليا، طبقا لما ذكرت "التلغراف" عن رسائل بشار الأسد الإلكترونية أنه لا يعتمد على مؤسسات الدولة، بل على نصائح خارجية لإدارة البلاد، أو أفراد ليسوا من المؤسسة المباشرة ذات العلاقة.
يخلص الكتاب إلى أن القرار بأخذ السياسة الجامعة على حساب الطاردة في الأساس عمل سياسي، ولكن الوسيلة وماكينة التغيير اقتصادية بامتياز. في داخل هذه الماكينة ما يذكر سشمتبور عن مدى قدرة المجتمع على إعطاء ما يصفه بالتدمير الخلاق: القبول بالمنافسة الشريفة لمعرفة الكفء أفراداً وشركات. الشرارة سياسية والنار اقتصادية. السؤال الرئيس الموجّه للنخب في سورية وليبيا وغيرهما كثير هو: هل القرار أن تكون الدولة جامعة أم طاردة؟ ما يتبع هذا القرار المفصلي مجرد تفاصيل معروفة.