انتقادات المجتمع تؤدي إلى عزوف الممثلين عن أدوار المرأة

انتقادات المجتمع تؤدي إلى عزوف الممثلين عن أدوار المرأة
انتقادات المجتمع تؤدي إلى عزوف الممثلين عن أدوار المرأة
انتقادات المجتمع تؤدي إلى عزوف الممثلين عن أدوار المرأة

نحاول في هذا التحقيق الثقافي سبر أغوار الفنانين، الذي جسدوا شخصيات أنثوية في الدراما الخليجية، إذ تميزت الدراما الخليجية دون غيرها في شخصيات أنثوية ظلت مرتبطة بالممثل الرجل منذ أيام الفنان الكويتي الراحل عبد العزيز النمش، وصولا إلى الفنان السعودي عبد الله المزيني، مرورا بنماذج فنية أخرى على مستوى الخليج.

هل غياب الممثلة ''المرأة'' أو ندرتها، كما هو الحال في الكويت، خصوصا في بدايات العمل التلفزيوني والمسرحي منذ ستينيات القرن الماضي هو السبب، أو أن إبداع الفنانين الرجال الذين جسدوا هذه الأدوار الصعبة والمركبة لنماذج نسائية لا يتقن رصدها سوى المبدعين، ما يسبب هذا الحضور الطاغي لشخصيات ''أم عليوي'' في ذاكرة الكويت و''رقية'' في السعودية حتى إنهما طغتا على ما سواها من إبداعات صاحبيهما.

نتناول في هذا المجال رؤية الفنان الرجل لهذا الدور وأسراره الداخلية، وأسباب عزوف كثير من الفنانين عن تقديمه، هل يعود ذلك لاقتناعات دينية تخشى الوقوع في براثن ''التشبه بالنساء'' حتى ولو من قبيل التمثيل وتجسيد الأدوار المركبة، هنا يسأل البعض هل ينطبق ذلك الحال على من يجسدون شخصيات المجرمين في الأعمال الدرامية، البعض الآخر يشير إلى صعوبة أداء مثل هذه الأدوار فنيا في ظل حضور أكبر للمرأة في العصر الحاضر، أما كثيرون فيشيرون إلى أن السبب الرئيس في غياب أدوار الرجل عن أدوار المرأة بعد تجربة ''رقية'' السعودية يعود في الدرجة الأولى إلى ثقافة ''العيب الاجتماعي''، حيث مجتمع تقليدي لا يفصل عادة بين الفنان، وما يجسده من أدوار.

#2#

الفنانون: ''فكر رجعي'' يسبب عزوفنا عن تمثيل الأدوار المختلفة

أكد عدد من المختصين في المجال الفني أن عزوف الممثلين عن تأدية الأدوار التي يجسد الرجل من خلالها دور المرأة في الأعمال الفنية، يعود لاعتقاد أصناف عدة من الناس، أن الفنانين الذين يمثلون هذه الأدوار، هم في حياتهم الشخصية يشبهون الأدوار التي قاموا بتأديتها.

وقال المختصون إن هؤلاء الفنانين لا يقبلون بتأدية أدوار أو مشاهد من هذا النوع، سواء في المسلسلات، أو على خشبة المسرح، بسبب ترسخ ''الفكر الرجعي'' في أذهان بعض أفراد المجتمع حول المؤدين لدور المرأة، كما يقول بعض العاملين في المجال الفني، وذلك من خلال الخلط بين التمثيل والتشبيه، دون الالتفات والنظر للعذر الحقيقي جراء قبول الفنان بدور المرأة، والناتج عن العجز في تأدية الأدوار، إلى جانب الظروف التي أسهمت في ذلك، وما صاحب ذلك من ضغوط على الممثل وسلبيات أثرت في إنتاجيته وبعده عن بعض الأعمال.

وفي هذا الشأن، أوضح لـ ''الاقتصادية'' الفنان السعودي عبد الله المزيني صاحب شخصية (رقية) في أجزاء من المسلسل الكوميدي ''طاش ما طاش'' أن التداعيات التي يواجهها الممثل في المجتمع من تعييب واستنكار، أدت إلى ابتعاد الفنانين عن هذه الأدوار، أو تمثيلها بحياء وعلى مضض، لافتا إلى أن المنتقدين لهذا الجانب يتخيلون أن الإنسان، الذي يدخل مجال التمثيل، ويقبل بتجسيد دور المرأة، أن هذه طبيعته بالفعل، وأنه كما يظهر في العمل الفني الذي يقدمه، وأنه يعيش بالطريقة ذاتها، دون إدراك منهم بأن العمل مجرد دور يؤديه الفنان، ومن ثم ينسلخ منه ليقدم دورا آخر، مشيرا إلى أن كثيرا من الأعمال تتطلب جهدا كبيرا لإبراز الشخصية، ومن المحزن ألا يقدر الاجتهاد في هذا الجانب.

وأضاف المزيني ''لم أصل إلى درجة الأذى كما أشيع، وإنما كانت ردود أفعال متباينة بين الموافقة والرفض القاطع، من أناس بينوا لي أن ما أقوم بتأديته من تجسيد دور امرأة عجوز غير مقبول، وأنني كبرت في العمر، ويجب أن أنتهي من تمثيل هذه الأدوار حتى في نطاق العائلة، وبعضهم تكلم معي بصيغة الداعي إلى التوبة لله، وطلب الرجوع عن هذه الجريمة''.

وأوضح أن بداية قبوله لدور المرأة كان من خلال مشهد من مسلسل طاش في جزئه السابع، وذلك بعد تعرض الزميل عبد الله السدحان لسرقة منزله المتكررة، التي جعلته يجلب كلب حراسة لذلك، إلا أن الكلب لم يألف السدحان، وحاول الهجوم عليه، وما كان من السدحان إلا الفرار والقفز إلى منزل جاره، الذي كانت تقوم فيه جدتهم بتنظيف الأواني، حيث قامت بالصراخ عند مشاهدة السدحان اعتقادا منها بأنه حرامي، ومن هنا اقترح المرحوم عبد العزيز الحماد مع عبد الله السدحان أن أمثل دور العجوز النجدية ونجح المشهد حينها، حيث قدمت في العام الذي يليه مشهد ''ما أروعك''.

وتابع المزيني بعد ذلك استهوى هذا الدور عدد من الكتاب في المواضيع التي أرادوا التطرق إليها، حيث استمر هذا الدور حتى الجزء الـ18 من مسلسل طاش، إضافة إلى تمثيل دور الجدة في جزء من مسلسل ''سكتم بكتم'' ومسلسل ''غشمشم''، في حين أن هذا العام شهد منذ ثلاثة أشهر باعتزال شخصية ''رقية'' للفن، بعدما وصلت للجمهور بطريقة ظريفة، وأوصلت الرسائل التي أريد منها تبليغها في مسيرتها الفنية، مشيرا إلى أنه رغم توقفه وإعلانه بعدم قبول أي دور جديد يعرض عليه ليجسد فيه دور المرأة، إلا أنه يتمنى استمرار عرض أدواره النسائية، وأنه غير مستعيب أو مستنكر لها، وإنما يعدها من ضمن الذكريات.
وفيما يتعلق بتعامل الفنانين معه وهو يقدم شخصية المرأة، أكد المزيني، أن زملاءه من الممثلين والطاقم الفني ككل لم يلق منهم سوى الاحترام والتقدير من طلبهم المشاركة معهم في أعمالهم، كما أنه لم يجد من أي أحد منهم المضايقة أو الاستخفاف به، كونهم أناسا متفهمين وعلى درجة من الوعي والمعرفة، متوقعا مجيء أشخاص جدد في الساحة الفنية ممن يؤدون هذه الأدوار ويتسلمون سلم التتابع في العمل.

#3#

في حين يرى فنان آخر، فضل عدم ذكر اسمه، أن الفن رسالة سامية والفنان يقتضي عليه توصيل هذه الرسالة بالشكل المناسب وبشخصية تخدم المجتمع إزاء المشكلات، التي تعترضه وطرق معالجتها بالوسائل الممكنة من جميع النواحي، ولذا فإن تجسيد الفنان لدور المرأة في بعض الأعمال هي نعمة لا يجيدها إلا القليل وينبغي أن يشكر عليها، لافتا إلى أن هؤلاء الفنانين بدلا من تكريمهم قدمت لهم الانتقادات والإساءة، وتعرضوا للمضايقات والإهانة من قبل أفراد المجتمع.

من جهته، علق المخرج عبد الخالق الغانم على مسألة تقمص الفنان لدور المرأة في العمل التلفزيوني، قائلا: إن هذه الأعمال يأتي أغلبها من باب الكوميديا والفكاهة، وعدم وجود المواصفات الخاصة بالشخصية التي يراد تقديمها للجمهور مثل شخصية الفنان عبد الله المزيني التي جاءت صدفة في بدايتها من خلال عمل مشهد واحد إلى أن استمر بعد ذلك في أجزاء متتابعة، لقيت الاستحسان من الجميع، وبين التجسيد الناتج عن الضرورة في العمل المسرحي، حيث لا خيار آخر للممثل في مسرحنا الرجالي سوى تقديم دور المرأة، بسبب ممانعة وجود المرأة على خشبة المسرح مع وضوح التقليد، أي لا يشتبه على المشاهد أن المرأة التي تقف على خشبة المسرح ما هي حقيقة إلا سوى رجل مقلد لها.

وبين الغانم، أن العمل التلفزيوني قادر على توفير العنصر النسائي، إلا أنه في بعض الأحيان يلجأ لتجسيد الفنان لدور المرأة، وذلك لإعطاء حالة ''الفنتازيا'' الفكاهية الإضافية للعمل، أو لصعوبة تأدية مشهد فيه مخاطرة على امرأة مسنة، حيث يتطلب العمل هنا، التأدية من رجل يجسد لشخصية المرأة، مفندا عدم وجود اشتراطات فنية معينة لمن يؤدي هذه الأدوار، إذ إن من لديه القدرة والتمكن من تجسيد دور المرأة بشكل جيد، سيقوم بتأدية أدوارها دون أي اشتراطات، سواء كان في السعودية أو في خارجها كالكويت ومصر، اللتين اشتهرتا ببعض ممثليها في تأدية دور المرأة.

ونوه الغانم إلى أن مجتمعاتنا قاسية على الممثل، سواء كان رجلا أو امرأة، وتعيب هذه المجتمعات على الفنان الذي يؤدي دور المرأة، وتهاجمه بشدة، كما أنها تتهمه بما ليس فيه، حتى وإن كان تجسيد الرجل لدور المرأة يعد من النوادر، لذا لم يظهر ممثل آخر كالفنان عبد الله المزيني يؤدي دور المرأة بجرأة في الأعمال الفنية، حيث كان في وجه المدفع عند تلقي الانتقادات، مشيرا إلى أن تجسيد الفنان ناصر القصبي لشخصية المرأة في إحدى حلقات ''طاش ما طاش'' تبقى حلقة يتيمة ناتجة عن حالة ''فانتازيا'' كوميدية.

الأكثر قراءة