عوامل ثابتة وأخرى متغيرة
من عودة الديمقراطيين إلى السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب في الولايات المتحدة، إلى التراجع في حجم بعض المخزونات، خاصة المقطرات وزيت التدفئة، إلى قدوم فصل الشتاء، إلى احتمال قيام منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" بخطوة إضافية لخفض الإنتاج، تبدو السوق النفطية مرشحة لبعض التقلبات استنادا إلى حالة عدم الوضوح وغياب الاستقرار، ولما يمكن أن يشي به المستقبل.
الأسبوع الماضي انتهت انتخابات التجديد النصفي لمجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين باستعادة الحزب الديمقراطي سيطرته على المجلسين، الأمر الذي سيحيل ما تبقى من الفترة الرئاسية لجورج بوش إلى بطة عرجاء ـ كما يقول التعبير السائد، أي أنه لن يستطيع تمرير سياساتها بالسهولة نفسها التي كان عليها الوضع خلال الأعوام الستة الماضية. فالنظام السياسي الأمريكي الذي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات، ينحو دائما إلى إحداث التوازن من خلال إبقاء بعض السلطات في يد الحزب المنافس، وذلك كي لا يتمتع حزب واحد بكل السلطات السياسية، التنفيذية والتشريعية.
تجربة سيطرة الجمهوريين الأخيرة على السلطات الثلاث التي لم تحدث قبلها إلا قبل نصف قرن من الزمان تقريبا، لم تكن كلها إنجازات، ولهذا تفسر نتيجة الانتخابات على أساس أنه نزع للثقة من الجمهوريين وسياساتهم والعودة إلى فكرة التوازن من خلال إعطاء الحزب المنافس قدرا من السلطة والرقابة التي تمكنه من لجم تصرفات الذراع التنفيذية.
الجمهوريون معروفون بروابطهم القوية بالصناعة النفطية، ولهذا جاء رد فعل السوق في جزء منه معبرا عن القلق فيما يمكن أن تتجه إليه السياسات الأمريكية مستقبلا، خاصة في ضوء تحركات الأسعار التي شغلت الرأي العام المحلي مع تصاعد أسعار الوقود وتحولها إلى قضية مطروحة على بساط النقاش الجماهيري.
وفيما يتعلق بالديمقراطيين يمكن الإشارة إلى موقفين يلخصان رغبتهم العارمة في دفع الأسعار إلى أسفل، وذلك من خلال اللجوء إلى الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، وهي الخطوة التي كان يقترحها المرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري متبعا خطى سلفه الرئيس بيل كلينتون، الذي أمر بالسحب من المخزون الاستراتيجي لوقف ارتفاع الأسعار ودعم نائبه آل جور الذي يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية.
وهناك أيضا الخطوة التي ارتبطت بالديمقراطيين وتحديدا وزير الطاقة الأسبق بيل ريتشاردسون، الذي كان يهاتف وزراء الأوبك تقريبا فردا فردا حاثا إياهم على عدم خفض الإنتاج أحيانا وزيادته أحيانا أخرى، وذلك على أمل إبقاء سعر البرميل منخفضا.
المهم في هذا بالنسبة لـ "أوبك" إلى أي مدى سيسهم التحول في الميزان السياسي داخل الولايات المتحدة، وهي صاحبة أكبر اقتصاد وأكبر مستهلك للنفط في العالم، في طريقة تعاملها مع موضوع الأسعار والإمدادات، فالأول دخل مرحلة تحتاج إلى يقظة خوفا من أن تنتهي إلى حالة من التراجع السعري لن يكون في مصلحة أحد.
الارتفاع الذي حققته الأسعار إلى ما فوق 60 دولارا للبرميل يعكس قلق السوق من جوانب أخرى إضافة إلى البعد السياسي. فهناك التراجع الذي حققته بعض المواد فيما يخص حجم المخزون منها، والإشارة إلى المقطرات الوسيطة وزيت التدفئة. ومع أن حجم المخزونات الأمريكية لا يزال يشكل وبصورة عامة مستوى ممتازاً للغاية، إلا أن حدوث تراجع في حجم زيت التدفئة في الوقت الذي يدخل فيه النصف الشمالي من الكرة الأرضية فصل الشتاء وبكل ما لذلك من تبعات يثير بعض القلق.
ثم هناك العامل الخاص بهل تقوم "أوبك" مرة أخرى بخفض ثان للإنتاج إبان اجتماعها المقبل في أبوجا؟ وإلى أي مدى تم بالفعل تطبيق قرار إزالة 1.2 مليون برميل يوميا تم الاتفاق عليها خلال الاجتماع الاستثنائي الشهر الماضي؟
السؤال يعيد إلى الواجهة القضية الأساسية وهي وضع العرض والطلب رغم الظروف الموسمية الخاصة بفصل الشتاء حيث يرتفع الطلب عادة. الإدارة الأمريكية حتى إبان السيطرة الجمهورية عليها كانت تدعو "أوبك" إلى الاستمرار في الإنتاج بأقصى قدر ممكن، ولو أنها تجنبت الأسلوب العلني والمُلح الذي كان يتبناه ريتشاردسون.
السوق فيما يبدو مرشحة لتتجاذبها عوامل ظرفية مثل وضع الطقس وبعض الحوادث المرتبطة بالمنتجين، بينما سيظل وضع العرض والطلب وأساسيات السوق هي العامل المرجح والأبقى. حتى الآن ظل سعر البرميل يتأرجح بين 57 و60 دولارا، ومع أن المنظمة لم تحدد رقما معينا تعتبره عادلا لسعر النفط، إلا أن هذا الإطار يبدو مريحا حتى الآن لكل الأطراف، الأمر الذي سيجعل من كيفية الحفاظ عليه وإدارة السوق بما يؤمنه مهمة متجددة وبصورة يومية.
فما يجري على الساحة السياسية سواء من المستهلكين أو المنتجين والعوامل الأخرى المتغيرة من الطقس وحجم المخزون، ستظل مساندة لتحرك سعر البرميل في إطار النطاق الموضوع، لكن يبقى عنصر العرض والطلب وقدرة "أوبك" على إدارة هذا الوضع هي المحك الأساسي في المستقبل المنظور.