الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تبحثان عن نصيب من الاستثمار
خلصنا في المقال السابق إلى أن الطاقة في المملكة تعتمد على عنصرين أساسيين، هما النفط ويولد 60 في المائة من الطاقة، وبحمد الله تمتلك المملكة أكبر احتياطي للنفط في العالم ما يقارب 267 مليار برميل، والعنصر الآخر هو الغاز الطبيعي ويوّلد ما قيمته 40 في المائة من الطاقة وتمتلك المملكة خامس احتياطي غاز في العالم بعد روسيا، إيران، قطر، وأمريكا، ويقارب احتياطي المملكة من الغاز نحو 235 تريليون متر مكعب.
إذاً باختصار الاحتياطيات تكفي لعشرات السنين لكنها محدودة وغير متجددة وناضبة، والحقيقة أن إعداد الدراسات الإرشادية والإحصائية لاستهلاك المملكة للطاقة وإقامة الندوات وورش العمل لإمعان النظر وتفحص إيجابيات هذا الاستهلاك وسلبياته، من شأنه تقويم وتعديل أي خلل في هذا الاستهلاك. فعلى سبيل المثال ينصح بالتقليل من الاعتماد على استخدام النفط لإنتاج الطاقة الذي ينتج عنه انبعاثات كبريتية وكربونية، وعليه فإنه من الأفضل أن يستبدل زيت الوقود (مشتق نفطي) بالغاز الخالي من الرصاص، هذا مع العلم أن الانبعاثات الكربونية من النفط أكبر بكثير من تلك الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استخدام الغاز كمصدر للطاقة.
وعليه نجد أن العديد من دول العالم بدأت باستبدال زيت الوقـود تدريجياً كمصدر للطاقة بالغاز. جدول (1) يعرض مقارنة لتنوع استعمال العالم لمصادر الطاقة ما بين عامي 1980م و2004م، ويستطيع القارئ أن يلاحظ ارتفاع استخدام الغاز كمصدر للطاقة من 19 في المائة عام 1980م إلى 23 في المائة عام 2004م، ويقابله تضاؤل استعمال النفط من 46.2 في المائة عام 1980م إلى 37.5 في المائة عام 2004م. والجدير ذكره أن أمريكا وروسيا وألمانيا تتصدر دول العالم في استعمال الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة.
وعلى سبيل المثال تقلص استعمال زيت الوقود في الولايات المتحدة من 20 في المائة من إجمالي استعمالات النفط إلى نحو 4 في المائة، وذلك باستبداله بالغاز النظيف والمجدي اقتصادياً. وعليه فإذا أردنا في المملكة أن نستبدل زيت الوقود كمصدر للطاقة بالغاز الطبيعي فإنه أصبح لزاماً علينا أن نكثف ونزيد عمليات البحث والتنقيب على الغاز في كل مناطق المملكة، حتى يتم إيجاد الكميات الكافية التي تستطيع تغطية احتياجات الطاقة المستقبلية واستبدال زيت الوقود بهذا الغاز ولو بشكل تدريجي ومدروس. وهذا يمكننا من الاستفادة من زيت الوقود في مجالات أخرى كاستخدامه لإنتاج أنواع الوقود المختلفة كالجازولين والديزل والكيروسين وذلك عن طريق تنظيفه من الكبريت ومن ثم تكسيره.
والحقيقة أن تنويع مصادر الطاقة هو أمر مهم استراتيجيا، ومن شأنه خدمة الأجيال المقبلة، خاصة إذا تم الاعتماد على بعض المصادر المتجددة وغير الناضبة. وجدول (2) يعرض مقارنة لمصادر الطاقة في المملكة وبين بعض الدول الرئيسية في العالم، ويستطيع القارئ استنتاج أن معظم هذه الدول تتجه إلى زيادة الاستثمار واستهلاك الطاقة "المتجددة"، فمصر مثلاً تستخدم السد العالي لتوليد جزء لا بأس به من الكهرباء والصين على السياق نفسه تشتهر بكثرة استخدام السدود المائية لتوليد الطاقة، وتقوم اليابان بالاستثمار الجاد بالطاقة الشمسية لزيادة حصتها من إجمالي استهلاك الطاقة.
الأمر في المملكة مختلف، حيث لا يوجد أنهار ولا شلالات لاستخدامها في توليد الطاقة، وحتى مجموعة السدود التي تم إنشاؤها كان غرضها المحافظة على المياه، لكن من الممكن استخدام حركة الرياح لتوليد الطاقة. وأما الطاقة الشمسية فأعتقد أنها قد تكون طاقة المستقبل في المملكة نتيجة لطبيعة جو المملكة ولطول ساعات النهار فيها، حيث الكميات الهائلة من الطاقة الشمسية التي تلقى على بلادنا، فأرجو أن تأخذ نصيبها من الاستثمار الجاد لبناء طاقة المستقبل غير الناضبة.
* أكاديمي متخصص في صناعة تكرير النفط والبتروكيماويات ـ الظهران.
[email protected]