16 مفاعلاً نوويًّا في المملكة بحلول عام 2030
التصريحات الصحافية المهمة التي أدلى بها في الأسبوع الماضي الدكتور عبد الملك الجنيدي عميد كلية الهندسة في جامعة الملك عبد العزيز.. عََبَّر بها عن سياسة حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي ترمي إلى تنويع مصادر الطاقة، وبالذات الطاقة النووية التي تسعى المملكة ــــ من خلالها ــــ إلى تغطية 20 في المائة من استهلاك الكهرباء، ولقد ألمح الدكتور عبد الملك الجنيدي إلى أن المملكة تتجه إلى إنشاء 16 مفاعلاً نوويًّا في غضون الـ 18 عامًا المقبلة (2030) بتكلفة تقدر بـ300 مليار دولار.
وإذا كانت بعض الدول قد أعلنت إلغاء مشاريع الطاقة النووية في أعقاب الانفجار الذي وقع في فوكوشيما اليابانية، فإن هذه الدول وعلى رأسها ألمانيا واليابان تراجعت عن مواقفهما المتعجلة، وعادت مرة أخرى إلى وضع مشاريع جديدة للطاقة النووية.
ونستطيع القول إنه لا تتوافر مبررات موضوعية كافية تقول إن الطاقة النووية غير مُرَحَّب بها في الدول الكبرى، بل الصحيح هو أن العالم كله يسعى إلى تغيير الطاقة الأحفورية (النفط والغاز الطببعي والفحم) إلى طاقة نظيفة، وتأتي الطاقة النووية في مقدمة الخيارات المطروحة، بل تسبق خيار الطاقة الشمسية، والدليل أن وكالة الطاقة الدولية توصي باستخدام الطاقة النووية في برامج التنمية المستدامة لمزاياها العديدة ومن أهمها نظافتها، وصلاحيتها للبيئة، ورخصها.
إن وكالة الطاقة الدولية حذرت من أن الدول إذا ظلت تستهلك النفط بهذه الكميات الهائلة، فإن النفط سيتعرض للنضوب في عقود قليلة مقبلة، كما أن أسعاره لم تعد أسعارًا اقتصادية مقارنة بأسعار الطاقة النووية، وأشارت الوكالة إلى الطاقة النووية كبديل أنسب وأرخص وأنظف للطاقة في العالم.
ولذلك فإن الدول الكبرى التي تستهلك النفط بكميات كبيرة باتت تلوح برغبتها في التحول عن النفط إلى الطاقة النووية، ويضاف إلى ذلك أنه لم يعد يترتب على بناء وتشغيل المفاعلات النووية أي انبعاثات لغازات مؤذية تؤثر في البيئة والإنسان، كما يحدث بالنسبة لاستخدام محطات الغاز والنفط والفحم، وثمة دراسة علمية تؤكد أن البشرية كان يمكن أن تتعرض كل عام لانبعاث غازات كربونية يصل حجمها إلى 600 مليون طن تهدد البيئة وتلوث الأجواء الكونية. إذا استمرت الدول في تشغيل محطات حرارية تعمل بالغاز والنفط بدلاً من 443 محطة نووية تعمل بأمان في عدد كبير من دول العالم.
من هذا المنطلق؛ فإن دول العالم المتقدم أخذت تعيد النظر في حساباتها، وتتصالح مع الطاقة النووية وتتجه بقوة إلى علوم الطاقة النووية؛ لأنها باتت تدرك أن الطاقة النووية هي البديل الأفضل للنفط ومشتقاته، وأنها مصدر اقتصادي مهم لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، كذلك ستلعب الطاقة النووية دورًا كبيرًا في تقدم ما يسمى الطب النووي، وزيادة المحاصيل الزراعية، واستخدام الأسمدة الحيوية الآمنة، وتخصيب التربة، وتطوير سلالات النباتات، إلى غير ذلك من المنافع المؤثرة في اقتصاديات الإنسان.
إن الدراسات التي أجريت للمقارنة بين تكلفة إنتاج الكهرباء أو المياه المحلاة باستخدام الطاقة النووية والطاقة الأحفورية (نفط، غاز طبيعي، فحم) أثبتت أن الطاقة النووية أصبحت المصدر الأول للطاقة في العالم منذ أن وصل سعر برميل النفط 15 دولارًا، أما إذا كان سعر برميل النفط قد بلغ نحو الـ123 دولارًا فإن الطاقة النووية تكون المصدر الأرخص للطاقة، ومن ثَمَّ فإن إنتاج الكهرباء والمياه المحلاة يكون أقل تكلفة بشكل ملحوظ، ولذلك يمكننا القول إن استخدام الطاقة النووية في تحلية المياه وتوليد الكهرباء أصبح ضرورة وطنية وعالمية.
إن زيادة معدلات استهلاك الطاقة الكهربائية في السعودية بنسبة 7 أو 10 في المائة سنويًّا للوفاء باحتياجات المملكة المتزايدة من الكهرباء، يعني أن المملكة ستحتاج خلال السنوات العشر المقبلة إلى زيادة نصيبها من الطاقة الكهربائية بما يعادل 1000 ميجاواط في العام الواحد، وهو رقم يعادل إنتاج محطة كهرباء كبيرة.
ولعل حرص وكالة الطاقة النووية على التوسع في استخدام الطاقة النووية يعود إلى أن الطاقة النووية ستكون وقود التنمية، ودون طاقة نووية لا تقوى الدول على تحقيق معدلات عالية من النمو؛ لأن الطاقة النووية ستوفر الكهرباء بأسعار زهيدة، وكلنا يعرف أن الكهرباء هي وقود التنمية، ودون الكهرباء لن تقوم المصانع، ولن تقوم محطات تحلية المياه، ولن تقوم الحياة الاقتصادية والاجتماعية برمتها، بمعنى أن عنوان التنمية في القرن الـ21 هو التوسع في الطاقة النووية، ولذلك إذا أرادت الدول أن تحكم على نفسها بالتخلف فإنها تمنع نفسها عن استخدام الطاقة النووية.
وهكذا فإن الهدف الحقيقي للبرنامج النووي السعودي الذي نطالب به.. هو نقل السعودية إلى عصر التكنولوجيا النووية، إضافة إلى إنتاج الكهرباء وتحلية المياه بتكاليف أقل من تكاليف تشغيل المحطات الحرارية، وكذلك دفع برامج التنمية إلى الأمام بقوة لتصبح المملكة ـــ بإذن الله ـــ من النمور الآسيوية التي تلعب فيها الطاقة النووية دورًا كبيرًا لبلوغ أعلى الإنجازات.
وعلى كل حال نحمد الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ الذي حبا هذه الأرض (المملكة العربية السعودية) بكل النعم والموارد، فنحن لدينا أكبر احتياطي عالمي من النفط، ولدينا أشعة الشمس الملتهبة التي ترسل بريقها على مدار العام، كذلك لدينا سواحل شاسعة تستوعب ما نشاء من المفاعلات المولدة للطاقة النووية.