عذرا يا أهل الشام فنحن منشغلون بـ «عرب أيدول»

على مدار أربعة أشهر استقطب البرنامج الغنائي الشهير ''عرب أيدول'' أسماع وأبصار العرب في المشرق والمغرب، وعكفت الأسر والفتيان والفتيات - فرادى وجماعات - يشجعون ويرقصون ويتسامرون ويدعمون المشاركين بالملايين. كما أجاش البعض يدعون ربهم أن يكون الفوز حليف صاحب الصوت الشجي من المشاركين والمشاركات. لقد أخذ ''عرب أيدول'' حقه من الدعاية والانتشار، واستقطب بالفعل أغلبية الأسر في الوطن العربي، ولم يأتِ من فراغ، بل بإخراجه الجيد وإعداده القوي، وهو بالفعل يمتلك من أدوات النجاح ما يستحق ذلك.
إلا أن السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا هو: هل هذا وقت مناسب لتنظيم ''عرب أيدول''؟ هل نحن في حاجة إلى مثل البرنامج الآن؟ من ينظر إلى ''عرب أيدول'' يظن أننا مغيبون ساذجون لا يربطنا بواقعنا أدنى صلة.. فكيف نرقص والحروب تدق طبولها؟ وكيف نفرح والأعداء على الأبواب؟ وكيف نطرب والفتنة أقرب من شراك النعل؟
وأنا لست ضد الفنون، بل أرى الفن ومن ضمنه الغناء أحد المكونات الأساسية للثقافات وأبرز ما تتميز به الحضارات، ولا أنكر على الناس الفرح المعسول، والطرب الراقي، والإحساس بالسعادة. كما أنني أرى الفنون حضارة وعلمًا، ونبع حياة، ورقي مشاعر؛ لأن حياتنا مزيج بين عواطف وشعور. والأمة التي ليس لديها مورث من الفنون يَخفُت ضوؤها، وينظر إليها على أنها أمة جامدة لا مكان فيها للمرح، ولا مجال فيها للترفيه، فتنتشر بين أفرادها الأمراض النفسية والشعور بانفصام الشخصية.
إلا أنني ضد إظهار الغناء والطرب وكل السلوكيات والمشاعر التي تعبر عن الفرح هذه الأيام، خصوصًا ونحن نرى إخواننا في بلاد الشام يُذَبحون. فكيف يفرح قلبك وتطرب أذنك وأنت ترى الجموع تساق إلى المجاز؟ والكرامات تُداس بالأقدام؟ والعفاف يُنتهك أمام الأنام؟ وإذا لم يكن للدين في أنفسنا مكان فأين نخوة العربي، وأين شهامة البدوي؟ إنني أنظر إلى الأمر بصفتي فردًا في أمة عربية، ومواطنًا من بلاد الحرمين الشريفين (المملكة العربية السعودية)، تلك الدولة التي أوقفت أضخم مهرجان ثقافي يحكي تاريخها ويبرز ثقافتها، ويمثل لنا - نحن السعوديين - شيئًا عظيمًا. علقت السعودية الحفل الغنائي لمهرجان الجنادرية لأول مرة منذ 25 عامًا تضامنا مع إخواننا في سورية، وتفاعل المواطنون، ولبى القائمون هذا القرار الحصيف رغم خسارة الكثيرين جراء ذلك.
أُوقف أوبريت الجنادرية فتوقف معه فرحنا، واضمحلت عنده سعادتنا، وتقيدت فيه احتفاليتنا، ونحن لسنا آسفين على ذلك، فقد وجدناه الرأي السديد والقرار الرشيد أن نؤجل الفرح برهة كي تستيقظ النفوس، ويدرك الناس أن لهم إخوة في بلاد الشام تسفك دماؤهم، وتنتهك أعراضهم، وتستباح كرامتهم.
كنا نتمنى من ''عرب أيدول'' ومن على شاكلته أن يحذو حذو مهرجان الجنادرية، وألا يظهروا الفرح والطرب قليلاً تضامنًا مع إخوانهم في سورية، وتُستغل الأموال التي أُهدرت، والجهود التي بذلت في تصعيد قضيتهم، وتبني موقفهم، ولَمِّ شتاتهم، وإعادة الأمن إلى ديارهم.
أنا لا أرى ماذا حدث للعرب بمن فيهم من مسلمين نبلاء ومسيحيين شرفاء؟ كيف تقر أعينهم وتطرب قلوبهم وتهتز أجسامهم من فرح وفرط حبور وهم يرون أحداث الشام أمام أعينهم؟ ألا تمثل لهم الجثث الملقاة على الأرض، والكرامة التي مُرِّغَت في الوحل، والعفة التي انتهكت بالفعل ألا تمثل لهم شيئًا مذكوراً؟ هل يعتقدون أنهم بعيدون عن كل ما يحدث؟ لماذا يعشق العرب اللهو واللعب والطرب إبان الأزمات وعند نزول المدلهمات؟ هل هو هروب من واقعهم أم عدم إدراك لما يحاك لهم؟
والسؤال الأهم: لماذا نسمح لهم بهذا العبث؟ أليس فينا رجل رشيد يوقف كل هذه المهازل ويأخذ على أيدي هؤلاء السذج الذين يرقصون ودماء الأبرياء تنهمر؟ لماذا نسمح للفضائيات أن يضللوا الرأي العام، ويخدروا الشعوب، ويهدروا الأموال؟ من المستفيد بالله عليكم من ''عرب أيدول'' ومن على شاكلته؟ إذا كانت الجماهير التي تتراقص في المسرح تظن أنها نالت حظا عظيما فبئس الحظ هو، وإذا كان المشاركون يرون أنهم قد ربحوا فبئس الربح ذاك، وإذا كان القائمون على البرنامج يرون أنهم قد أوصلوا الثقافة العربية إلى العالمية فقد خلدوا لها المذلة والمهانة.
ألا نتعظ من الأحداث؟ ألا توافقونني الرأي أن الربيع العربي الذي غير ملامح بعض الدول العربية وما زال يعصف بالبقية وتدفع الحكومات والشعوب أثمانه لم يبدأ إلا بعد أحداث غزة عندما كانت الطائرات تدك القطاع بينما الدول العربية بعضها يحتفل بالاستقلال، والبعض الآخر ينظم المباريات الرياضية، وآخرون يقيمون المهرجانات الشعبية. هل نسيتم غزة أم تريدون أن أذكركم بها؟
ونحن لا نخلي أنفسنا من المسؤولية فكان من الأجدر أن نقاطع كل هذه المهازل فلم ينجح ''عرب أيدول'' إلا على أكتافنا ولم يبن سمعته إلا على أموالنا. كان لزاما علينا أن نأخذ على أيدي هؤلاء العبثيين ونصدع بالحقيقة ونوقف كل ما يدل على مظاهر الفرح كما فعلنا في الجنادرية فمن الحكمة أن يكون لنا أياد بيضاء يذكرها إخواننا المضطهدون، وعلينا أن نقدم الجميل حتى نحصده.
نعتذر منكم يا أهل الشام فليس لدينا وقت لننظر فيما أصابكم فنحن مشغولون بـ ''عرب أيدول''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي