رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أما آن للأسد أن يحفظ ماء الوجه؟

لم يشغل العالم في عصرنا الحديث أمر مثل ما أشغلتهم الأوضاع الحالية في سورية. وهي أوضاع مأساوية بكل المقاييس. والعالم منقسم بين مُتشمِّت وبين مُتفرج لا يستطيع عمل أي شيء يُخفف من آلام شعب سورية الأعزل الذي يتعرض منذ عام كامل لجميع ما عرفته البشرية من القتل والوحشية والتعذيب والقمع المسرف والإهانة من قِبل عناصر الفئة الحاكمة. وهناك أكثر من سبب لعدم إجماع المجتمع الدولي على خطة إنقاذ تُنهي هذه المحنة التي يقاسي منها الشعب السوري المغلوب على أمره. الأول والأهم من بين كل الأسباب الأخرى هو عدم رضا الدولة الصهيونية عن حدوث أي تغيير للوضع القائم اليوم في سورية. النظام السوري منذ انقلاب حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) في 1970 على الشرعية التي كانت قائمة آنذاك كان يتكفل بحماية الحدود السورية ــــ الإسرائيلية، دون أن يُعلن ذلك. بل على العكس، كان ُيشاهر علناً بأن نظامه القمعي مبني على قاعدة الممانعة. ولكنها كانت ممانعة سلبية، أي لا نعتدي ولا يُعتدى علينا، وهذا ما كانت تطمح إليه إسرائيل. ومع ذلك فقد هاجمت الطائرات الإسرائيلية ''عرين'' الأسد في عقر داره لضرب ما كان يُشتبه بأنه بداية لإنشاء مرافق نووية، ونحن نشك في صحة ذلك. ولكن النظام السوري لم يردُّ على تلك الهجمات الجوية لا بالسلاح ولا بالكلام، بل لزم الصمت المُطبق خوفاً من الفضيحة. أما السبب الثاني، فهو كون سورية تقع جغرافيا في قلب منطقة الشرق الأوسط، مما أكسبها أهمية استراتيجية، وأي تغيير في نظام الحكم غير معلوم الاتجاه يُقلق الدول الكبرى، خوفاً من وصول السلطة إلى أيد ينعتونها بأنها مُتطرفة. والسبب الثالث يتعلق بعلاقاتها الحميمة مع بعض دول الجوار مثل إيران ولبنان والعراق إلى حد ما. فهذه الدول المجاورة لسورية لا تود رؤية نظام جديد يعطي كامل الحرية للشعب، وعلى وجه الخصوص إيران التي من المتوقع أن يُسبِّب لها التغيير في سورية عزلة إقليمية لم تعهدها من قبل ويحد من مطامعها وطموحاتها التوسعية في المنطقة.
وعند ما انفجرت الثورة السورية ضد نظام الحكم الأسدي مع بداية تحرك ما يُسمى بالربيع العربي، كنا مُتيقنين أن بشار الأسد وأركان دولته سيدركون أن مصيرهم سوف لا يختلف عن مصير حكام تونس ومصر وليبيا وأخيرا اليمن. وكان أقل ما يمكن أن يعملوه للهروب من المصير المحتوم، التنازل لرغبة الشعب والتخلي عن الحكم قبل أن يطولهم مصير منْ سبقوهم. ولكنهم أخلفوا الظن وركبوا رؤوسهم وادعوا عن جهل مطبق، أن ما يجري في الشارع ما هو إلا محاولة يائسة لقلة من أفراد الشعب تدعمها جهات خارجية ومجموعات إرهابية. وبدلاً من أن يحاولوا تهدئة الوضع عن طريق الحوار واستخدام وسائل غير قمعية، قابلوا المظاهرات السلمية بالحديد والنار وزج للآلاف في السجون. ومن يدخل السجن يتعرض للتعذيب حتى الموت، مع التشهير بهذا العمل اللاإنساني لعله يردع الآخرين فيكفُّوا عن المطالبة بالحرية. ولكن هيهات أيها الأسد، فالمظاهرات تزداد يوماً بعد يوم على الرغم من ارتفاع عدد القتلى الذين يسقطون يوميا على يد زبانية النظام. جن جنون بشار وأعوانه ووجدوا أن لا مخرج من الورطة التي وضعوا أنفسهم فيها إلا بمضاعفة البطش. فبدلاً من أن يظهروا شيئا ولو يسيراً من المرونة، إذا بهم يدفعون بشبِّيحتهم إلى داخل البيوت الآمنة ويذبحون بالسكاكين جميع منْ تقع عليه أعينهم من الأطفال والنساء بعد أن يكونوا قد عاثوا فساداً في البيت أمام أعين الصغار والكبار. وهو عمل لم يسبقهم إليه أي إنسان يملك ذرة من عقل أو إحساس من ضمير. وهذا العمل الجبان مُسجَّل عليهم بالصوت والصورة وشاهده المراسلون الأجانب الموجودون خفية على أرض المعركة، وليتجرَّأ منْ يدعي الفبركة أن يثبت لنا غير ذلك.
ويأتينا أحد مؤيدي هذا الحكم منْ يدعي عن طريق ''اليوتيوب'' أن المناظر التي يبثها الإعلام عن القتل والدمار في المدن السورية كلها مفبركة، وينشر منظراً بسيطاً وغير واضح كمثال على تزوير المناظر التي نشاهدها يوميا، فهو يقيس عقولنا بعقله. والأكثر غرابة أن يدعي النظام أن ذبح الأطفال والنساء في البيوت تقوم به جماعات إرهابية من المواطنين. ونقول كفى يا بشار هراء وسخفاً. وإذا كان هناك أي نوع من الفبركة الإعلامية، فالنظام هو الأقرب لممارستها. ويكفي أنك لا ترى أثراً لمن يسميهم النظام إرهابيين خلال المظاهرات المؤيدة للنظام! ولا نلوم المعارضة اليوم عند ما بدأت بعد يأس من عدم استجابة مطالبهم أن تلوِّح باستخدام السلاح في المقاومة، بعد أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبا. لقد اخترتم يا سيادة الرئيس مصيركم بمحض إرادتكم. ومن الواضح يا سيد بشار أنك لم تقرأ التاريخ ولم تسمع عما حدث لذلك الرجل المخضرم نوري السعيد الذي سحقته الجماهير في شوارع بغداد، وبعد فترة وجيزة لحقه ونال المصير نفسه الرئيس عبد الكريم قاسم، والأخير كان قائد ثورة 1958 العراقية. وإذا أردت مثالاً أقرب إلى ذاكرتك فاسأل عما حدث لمعمر القذافي منذ عدة شهور، عند ما هو الآخر لم يُصدِّق أن للشعب قوة لا يستهان بها.
ونصيحتنا لحكام سورية ألا يجروا وراء سراب القيادة الروسية التي لا تزال تعيش بعقلية الحرب الباردة التي تركها العالم وراء ظهره، والزعماء الروس يغطون في نوم عميق. فنحن لا نعتقد أن لروسيا الحديثة مصالح اقتصادية في سورية تفوق ما تتمتع به مع دول أخرى كثيرة في المنطقة. ولكنها العنجهية الروسية التي ورثتها من عهد سيئ الذكر ''ستالين''، التي ستكلفها الكثير مع الدول العربية الأخرى التي تنظر إلى مستقبل أفضل لسورية، قلب الأمة العربية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي