النفط والانتخابات الأمريكية
يتجه الديمقراطيون إلى جعل النفط قضية انتخابية في معركة التجديد النصفي للكونجرس. فرغم المتاعب التي تعاني منها الإدارة الجمهورية بقيادة الرئيس جورج بوش، سواء في العراق، أو تفاقم عجز الموازنة وتشرذم رؤية الشرق الأوسط الجديد، ناهيك عن عودة الأمور في أفغانستان إلى المربع الأول والمواجهة مع طالبان، إلا أن الهاجس الأمني وسجل الديمقراطيين الضعيف فيه، أو الرؤية التي انطبعت في أذهان الجمهور عنهم في هذا الجانب، تجعلهم يتحسسون مواقع أقدامهم والسعي لجرّ الجمهوريين إلى ميدان يمكن أن تكون لهم فيه سيطرة ومصداقية أكبر.
ومن المجالات التي بدأ التركيز عليها أخيرا موضوع النفط والطاقة. فبعد أن أصبح سعر جالون الوقود قضية مطروحة باستمرار وبسبب الرأي العام المعادي تلقائيا للشركات النفطية الكبرى، المتهمة دائما، بحق أو دونه، بأنها وراء تصاعد الأسعار عبر تلاعبها، ولارتباط الحزب الجمهوري بالشركات النفطية عموما، فإن التركيز على موضوع النفط أصبح موضوع خيارات ومفاضلات بين راسمي الاستراتيجيات الانتخابية. وما سيجري في انتخابات الكونجرس سيكون بروفة لما سيكون عليه الوضع في الانتخابات الرئاسية في غضون عامين.
والديمقراطيون المبعدون عن البيت الأبيض منذ ست سنوات، وعن السيطرة على الكونجرس ومجلس النواب منذ قرابة العامين، يسعون جهدهم إلى استعادة السيطرة على المجلسين أو أحدهما على الأقل، وذلك توطئة لاستعادة البيت الأبيض بعد ثماني سنوات من الهيمنة الجمهورية.
ويتضاعف أملهم أن الجمهوريين مثلهم سيتجهون إلى خوض انتخابات أولية لتحديد من سيخوض الانتخابات باسمهم، لأنه لا الرئيس بوش يمكنه الترشيح مرة ثالثة بنص الدستور ولا نائبه ديك تشيني في وارد الترشيح بسبب كبر سنه ومرضه. وهي حالة شبه فريدة ألا يترشح نائب الرئيس.
المهم في كل هذا أن القطب الوحيد في العالم، صاحب أكبر اقتصاد وأكبر مستهلك ومستورد للنفط الأجنبي يخوض معارك سياسية داخلية، وأن النفط يمكن أن يصبح على رأس أجندة هذه المعارك السياسية.
النفط عانى ما فيه الكفاية من التسييس، والغريب أن الدول الصناعية وبقيادة الولايات المتحدة تحديدا تقدم النصيحة تلو النصيحة للدول المنتجة خاصة تلك الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" والعربية منها على وجه الخصوص أن تنأى بنفسها عن تسييس سلعة النفط واعتبارها مثلها مثل أي سلعة وتركها لقانون العرض والطلب أن يفعل فيها ما يشاء.
لكن الحديث السياسي المدفوع بأجندة انتخابية شيء وواقع الحال شيء آخر. ويكفي أن الديمقراطيين تحديدا الذين بدأ في أواخر عهدهم في رئاسة بيل كلينتون التصاعد في أسعار الوقود للمستهلكين لجأوا إلى الاحتياطي النفطي الاستراتيجي وضخ نحو خمسة ملايين برميل في السوق في مسعى لدفع الأسعار للهبوط ومن ثم تحسين فرص مرشحهم الرئاسي آنذاك نائب الرئيس آل جور في الفوز، وهي خطوة لم تنجح على أي حال.
وفيما إذا أصبح النفط قضية انتخابية كما يأمل المخططون للحصول على قضية يمكن جذب الناخبين إليها، فالمتوقع أن طرح شعارات عديدة واقتراحات منها ما هو مجرب وثبت فشله مثل فرض ضريبة على الوارد من النفط الأجنبي، أو اللجوء إلى حائط رفع قضايا ضد "أوبك" بدعوى تحكمها في الأسعار والتلاعب بها، إلى اقتراحات هلامية حول الطاقة البديلة.
ومثل هذه الممارسات ليست جديدة، وما يقعد بها عادة هو في النهاية نمط الحياة الأمريكية القائم على الاستهلاك المفرط والرغبة في أن يتم ذلك ودون تحمل التكلفة الفعلية، والبحث دائما عن شماعات توجه إليها أصابع الاتهام. فرغم الضجة العالية حول أسعار النفط، إلا أنها تظل أقل كثيرا مما يدفعه المستهلكون الأوروبيون مثلا وفيهم من ينتجون أكثر من حاجتهم لمقابلة الاستهلاك المحلي مثل بريطانيا والنرويج، التي تعتبر ثالث قطر له قدرة على تصدير النفط بعد السعودية وروسيا.
الأمر الآخر الذي يقعد بأي سياسة أمريكية جادة لمواجهة قضايا الطاقة والنفط عموما، هو وضع اللوبيات المتعددة التي تعمل على المسرح السياسي الأمريكي ولها القدرة على اقتراح التعديلات وتمرير القرارات التي تقعد في النهاية بأي جهد لخفض الاستهلاك أو التحول إلى مصادر أخرى للطاقة أو حتى تحسين وترشيد أنماط الاستهلاك الراهنة.
وآخر نموذج على قوة هذه اللوبيات أن الخطة الوطنية للطاقة التي جعلها بوش على قائمة أولوياتها وبعد أسابيع قليلة فقط من دخوله البيت الأبيض أجيزت في النهاية في صيف العام الماضي، وبعد أن تعرضت إلى ضغوط اللوبيات المختلفة التي نجحت في الاستئثار بمليارات الدولارات في شكل دعم وإعفاءات ضريبية استفادت منها الشركات النفطية نفسها، ولوبيات المزارعين بدعوى تشجيع زراعة الذرة الشامية التي تعتبر مصدرا لإنتاج الإيثانول، وذلك في الولاية التي يمثلها زعيم الأقلية الديمقراطية السابق توم داشيل، الذي ركز على نصيبه في الحصول على الدعم بغض النظر عن موقف حزبه الديمقراطي السياسي من تلك الخطة.
ويمكن توقع شيء من هذا القبيل في المعارك الأمريكية الانتخابية المقبلة، لكن قضايا الطاقة الحقيقية ستكون بعيدة عن الاهتمامات العملية.