النفط والغاز كمصدر رئيس للطاقة
يتفق معظم المختصين في شؤون الطاقة اليوم على عدم وجود نقص في أي من موارد النفط أو الغاز في باطن الأرض في المستقبل المنظور، وإذا ما انخفض الاستهلاك في المستقبل فإن ذلك لن يكون بسبب وجود مشاكل في وفرة النفط والغاز، وإنما نتيجة تراجع الطلب عليهما. إن التوسع الكبير الحاصل في تطوير وإنتاج مصادر النفط والغاز غير التقليدية، واستمرار اكتشاف حقول جديدة من مصادر النفط والغاز التقليدية في مناطق مختلفة من العالم، يثبت أن العالم لديه من مصادر الغاز الطبيعي ما يكفي لعقود عديدة مقبلة، وربما عدة مئات من السنين، ولديه ما يكفي من النفط للمستقبل المنظور على أقل تقدير، حيث إن الاحتياطي العالمي الحالي من مصادر النفط التقليدي هو أكثر من أي وقت مضى.
الكثير من خبراء الطاقة وأصحاب القرار ينظرون إلى الغاز الطبيعي باعتباره الوقود الأحفوري الانتقالي وذلك لأنه يصدر كميات أقل من غاز ثاني أوكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة عند احتراقه مقارنة بالنفط والفحم. إضافة إلى ذلك، الإمدادات العالمية من الغاز الطبيعي هي أكبر بكثير مما كان يعتقد في السابق، وذلك بفضل تقنيات الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي الحديثة، التي سمحت باستغلال الاحتياطي الهائل من مصادر الغاز الصخري (السجيل الغازي) التي كان يصعب استغلالها في السابق. لقد أحدث استخدم تقنيات الحفر الأفقي وتقنيات التكسير نجاحا كبيرا في إنتاج الغاز من طبقات السجيل الغازي الذي مهد الطريق لما يعرف اليوم بطفرة السجيل الغازي، التي نقلت صناعة الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة نقلة نوعية كبيرة وحولتها من مستوردة إلى مكتفية ذاتيا وربما مصدرة للغاز في المستقبل. على سبيل المثال، في عام 2011، توقعت وزارة الطاقة الأمريكية أنه بحلول عام 2035، سيتجاوز الغاز الطبيعي الفحم كمصدر للطاقة في الولايات المتحدة، لكن النفط سيحافظ على تفوقه على كل منهما. عالميا هناك من يتحدث اليوم عن ''ثورة الغاز الطبيعي'' التي تتوقع أن يصبح الغاز الطبيعي ثاني أكبر مصدر للطاقة في العالم بعد النفط بحلول عام 2030.
نفس التقنيات طبقت لاحقا على مصادر النفط غير التقليدية وبالتحديد مصادر النفط من الطبقات (المكامن النفطية) الواطئة النفاذية أو ما يعرف Tight Oil. إن مصطلح Tight Oil يطلق عادة لوصف تجمعات النفط الموجودة في التكوينات الصخرية واطئة النفاذية جدا أو عديمة النفاذية Impermeable Rock Formation مثل النفط المتواجد في طبقات الرمال المتراصة أو المحكمة Tight Sands، أو في طبقات السجيل الزيتي Shale Oil. في هذا الصدد تشير وكالة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى أن مجموع موارد السجيل النفطي في العالم تقدر بنحو 3.3 تريليون برميل موزعة على نحو 26 بلدا. هذا التقدير قد يكون أقل بكثير من الرقم الفعلي، وذلك لأن عددا كبيرا من الدول لم تكشف عن مخزوناتها من السجيل النفطي، إضافة إلى ذلك فإن كثيرا من الترسبات لم يتم تقييمها بعد.
إجمالا لا يوجد هناك نقص في الموارد البترولية في باطن الأرض، العالم يملك اليوم من موارد النفط والغاز الطبيعية ما يكفي لعقود عديدة قادمة. لكن التحدي والقلق العالمي يكمن في توفير وإدامة البنية التحتية اللازمة لإنتاج ونقل النفط والغاز إلى مناطق الاستهلاك، في وقت وصلت فيه تكلفة التطوير والإنتاج والنقل إلى مستويات قياسية، كما أسهمت بعض العوامل المتعلقة بالمشاكل السياسية والمخاوف البيئية في إذكاء المخاوف بخصوص وفرة الإمدادات وديمومتها. هناك أيضا قلق في الصناعة النفطية إزاء عدم وجود جيل جديد مدرب من مهندسي النفط والغاز وغير ذلك من التخصصات ذات العلاقة، حيث إن الأجيال السابقة من المهندسين تتقاعد، ليس هناك ما يكفي من المهندسين الشباب للتعويض عنهم. لذلك كان من المهم جدا إعادة بناء البرامج الأكاديمية في هندسة البترول والجيولوجيا والتخصصات ذات الصلة.
إذا المخاوف من عدم تمكن الصناعة من تلبية الطلب العالمي المتزايد على النفط والغاز ليس لها علاقة بوفرة الموارد في باطن الأرض لكنها نابعة من معوقات فوق سطح الأرض، مثل المشاكل السياسية، شح الأيدي العاملة المتخصصة، ارتفاع التكاليف، صرامة النظم المتعلقة بالبيئة وانحسار الاستثمار في البنية التحتية. لكن صناعة النفط والغاز العالمية لها سجل تاريخي جيد في التعامل مع هذه التحديات ولم تغفل هذه القضايا، ما يعزز الثقة بإمكانية الصناعة تلبية احتياجات العالم المستقبلية من النفط والغاز كما كان حالها دوما وفي أصعب الظروف.
من ناحية الطلب، من الصعب التكهن بمعدل نمو الطلب على النفط والغاز بصورة دقيقة، لكن تحت جميع الظروف من المرجح أن يرتفع الطلب العالمي على مصادر الطاقة الأولية، مدعوما بالنمو في الاقتصاديات الناشئة، بقيادة الصين والهند، فضلا عن ارتفاع معدل النمو السكاني والتوسع العمراني المستمر. إن النمو الاقتصادي المرتفع والتوسع السريع في الطبقات المتوسطة رفع احتياجاتها من الطاقة، لكن في بعض الأحيان قد يستهان بحجم هذا النمو، كما يتضح من النمو الاستثنائي الحالي في سوق السيارات الصينية الذي لم يكن يتوقع في السابق. من ناحية أخرى من الصعب أيضا التأكد من نجاح المحاولات التي تقوم بها بعض الدول للسيطرة على نمو الطلب، ومن مدى فعالية الجهود المبذولة في مثلا الصين للحد من كثافة استخدام الطاقة. في هذا الجانب مطلوب من الدول المستهلكة للطاقة أن تكون واضحة في متابعة جهودها الرامية إلى خفض الطلب على النفط والغاز، ولأسباب بيئية واضحة، وأن تركز على كفاءة استخدام الطاقة كونها أحد أكبر وأسهل المساهمين في خفض وترشيد الاستهلاك.
من الواضح جدا أن الاعتماد على النفط والغاز كمصدر رئيس للطاقة في العالم سيأخذ وقتا طويلا قبل أن يطرأ تغيير يذكر على تفوقهما. الغاز الصخري أو السجيل الغازي قد أحدث تغييرا جذريا في مجال إمدادات الغاز الطبيعي ومصادر النفط غير التقليدية والاكتشافات الجديدة أسهمت هي الأخرى في إحداث تغيير في مجال إمدادات النفط. إن الطلب والعرض على النفط والغاز سيتطابق باستمرار، ولكن هذه العملية سوف لن تخلو من التحديات من وقت إلى آخر، حيث إن من المتوقع أن تستمر التقلبات في أسعار الطاقة. مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى النظر إلى السياسات المتعلقة بالطاقة والبيئة من منظور واقعي بعيدا عن المغالاة والتسييس، وزيادة الجهود المبذولة في تنشيط الحوار بين منتجي ومستهلكي الطاقة لضمان توفير إمدادات الطاقة بصورة آمنة ومستدامة وبأسعار معقولة ومقبولة للطرفين.