رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مستشفيات الـ 50 سريرا ومراكز الرعاية الأولية

لعلي أكمل ما ذكرته في المقال السابق بخصوص ما صرح به وزير الصحة عبر ندوة جريدة ''الرياض'' وما عبر عنه محمد الأحيدب في قناة ''المجد''. فمع الأسف - الدور العلاجي لبعض مستشفيات الـ 50 سريرا كان أقل من دور بعض مراكز الرعاية الأولية الموجودة لدى بعض الدول المتقدمة. فمثلا تجاوز دور مراكز الرعاية الأولية في بعض الدول مجرد أن تكون مراكز تقدم خدمات رعاية أولية إلى مراكز ''حقيقية'' لطب الأسرة والمجتمع (وليس مجرد شعارات أو تغيير شكلي لأسمائها). فمثلا يقوم بعض تلك المراكز بعمل إجراءات صحية كانت تتم عادة في مراكز متخصصة كتركيب أجهزة موانع للحمل للمرأة. كما أن هذه المراكز تعتبر المرجع الأول لأهل الحي حتى بعد انتهاء عملها الرسمي. فخلال – مثلا - إجازات نهاية الأسبوع يتصل المريض برقم يزوده به مركزه الصحي، الذي في ضوئه يتم إرشاده إلى المراكز الصحية المناوبة (ليست مستشفيات) التي تقدم له الخدمة العلاجية المطلوبة بعد تقييم حالة المريض الصحي. لذا فإن عدد قوائم الانتظار في أقسام إسعاف تلك الدول محدود نسبيا، ليس بسبب كثرة المستشفيات فقط، إنما لوجود نظام يحكم تدفق المرضى بين مراكز تقديم الرعاية الصحية (مركز صحي - مستشفى عام - مستشفى تخصصي). وكنت قد كتبت مقالا بعنوان ''مراكز الرعاية الأولية من يقلب هرم الخدمة لمصلحة المواطن'' وجهت فيه بضرورة إعادة النظر في مراكز الصحية، خصوصا أن عدد المراكز الصحية تجاوز ألفي مركز صحي، بينما لا تقدم الحد الأدنى من الخدمات المتوقعة من أي مركز صحي، ولماذا يتم افتتاحها إذا لم تكن قادرة على تقديم رعاية صحية؟ وماذا يتوقع من مركز لا يتوافر فيه مختبر وجهاز أشعة وبشكل أقل أهمية مركز أسنان؟ وهل الهدف مجرد زيادة أرقام المراكز الصحية المسجلة في كشوف وزارة الصحة وأعداد الزائرين لها بغض النظر عن انعكاس تلك الزيارات على صحة مرتاديها؟
في اعتقادي أن على وزارة الصحة إعادة النظر في هذه المراكز وإغلاقها إذا لزم الأمر، لأن بعض تلك المراكز ليس فقط لا تؤدي الخدمة المطلوبة منها بل أسهمت في زيادة الأخطاء الطبية أو تأخير حصول المريض على الرعاية الصحية التي يستحقها. ففي دراسة غير منشورة كانت مراكز الرعاية الأولية في المملكة السبب الرئيسي في تأخر وصول أطفال الأورام، خصوصا أطفال اللوكيميا - للمستشفيات المتخصصة، ما قاد إلى مضاعفات طبية أدت إلى وفاة بعض من الحالات.
ولعل موجة الغبار التي تعرضت لها بعض مدن المملكة والتي أدت إلى تكدس قسم الطوارئ في مستشفيات وزارة الصحة، خير دليل على أن مراكز الرعاية الأولية لا تساند المستشفيات في تقديم الخدمات الصحية الأساسية.
لذا، فعلى وزارة الصحة التركيز على رفع الجودة الصحية في مراكزها الصحية عبر وضع استراتيجية وطنية تكفل ضمان جودة مخرجات تلك المراكز، وأن تستثمر في رفع جودة مراكز الرعاية الأولية بدلا من زيادة أعداد تلك المراكز دون انعكاس حقيقي لها على مستوى الخدمة. مفهوم الجودة ليس مقصورا فقط على تشييد مبان جديدة، لكن رفع مؤهلات العاملين في تلك المراكز وأجهزتها الطبية. ضعف جودة مخرجات مراكز الرعاية الأولية يعود جزئيا إلى غياب ترتيب أولويات الصرف على الخدمات الصحية، وهو ما دعوت إليه في مقال سابق قبل سنتين بعنوان ''فلسفة تقديم الخدمات الصحية.. الهوية نبيلة والطريقة غائبة''. لذا فإن ما طبقته وزارة الصحة على مستشفيات الـ 50 سريرا يمكنها تطبيقه على مراكز الرعاية الأولية بحيث يكون الهدف الأسمى رفع الجودة الصحية لمراكز الرعاية الأولية، وهي تكلفة غير كبيرة مقارنة بتكلفة رفع الجودة في المستشفيات، لكنها مهمة جدا نحو تطوير مخرجات تلك المراكز.
ولعلي أتطرق لكيفية وضع استراتيجية تمكن وزارة الصحة من رفع مخرجات تلك المراكز في مقال لاحق.
وللحديث بقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي