اليونان .. الخروج أصعب من الدخول
ستصبح أزمة الديون الأوروبية، وبالتحديد الأزمة التي انطلقت من اليونان، مرجعا للكثير من الدراسات الأكاديمية القادمة في مجال التكامل الاقتصادي، وشروط المنطقة المثلى للعملة الموحدة. فقد وصلت الأمور إلى حد يصعب معه تصور إمكانية استمرار اليونان في منطقة اليورو، بالنظر إلى حجم الدين العام الكبير الذي تجاوز 160 في المائة، كما أنه مرشح للاستمرار في الزيادة قبل أن يصل إلى مستوى 120 في المائة عام 2020. وفي هذا التاريخ بالذات هناك تساؤلات كثيرة حول قدرة اليونان على العودة للأسواق المالية للاقتراض، مما يعني الحاجة إلى استمرار الدعم الرسمي من قبل الدول الأعضاء في منطقة اليورو.
هنا بالذات يتبادر إلى الذهن الخيارات الممكنة لليونان اللجوء إليها للخروج من هذه الأزمة، ومن ضمن هذه الخيارات إعلان الإفلاس والذي سيؤدي إلى نتائج سلبية كبيرة جداً على منطقة اليورو، وعلى الاقتصاد العالمي. التساؤل الذي يطرح الآن هو هل يعني إعلان الإفلاس الخروج من منطقة اليورو؟ وما النتائج القانونية المترتبة على الخروج؟ وكيفية تنفيذ عملية الخروج؟ وهل ستكون عملية متدرجة، أو أن يكون خروجا حاليا؟ وما الآثار المترتبة على كلتا الحالتين، خصوصاً ما يتعلق بعملية تقييم الأصول سواءً للمؤسسات المالية، أو للأفراد؟ وكيف سيتم أيضاً تقييم الالتزامات، سواءً للمؤسسات المالية أو للأفراد؟ وكيف سيكون أيضاً الوضع بالنسبة للأصول والالتزامات المقومة باليورو؟
أسئلة كثيرة تدور حول ذلك، لكن من خلال استقراء السيناريوهات المحتملة، وما يتطلبه ذلك من إجراءات، يمكن تفهم عدم جدوى خيار الإفلاس، الذي سيؤدي حتماً إلى خروج اليونان من منطقة اليورو، بسبب عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها المتعلقة بالدين العام، وعجز الموازنة، وفي الوقت نفسه، أن إفلاسها لن يؤثر فيها فقط، بل سيؤثر في جميع دول منطقة اليورو، حيث سيكون هناك تراجع كبير في ثقة المستثمرين في اليورو، ومن ثم في الاستثمارات المقومة به. أضف إلى ذلك أن ذلك سيمثل سابقة لمنطقة اليورو ستعني بالتأكيد أن ذلك يمكن أن يحدث مرة أخرى عندما تواجه إحدى الدول الأعضاء بأزمة مشابهة، خصوصاً في ظل الأزمة التي تواجهها دول اليورو التي تقبع تحت ضغوط الأزمة، كالبرتغال وأيرلندا وإسبانيا وإيطاليا.
بالنسبة لليونان فإن الإفلاس يعني الخروج من منطقة اليورو، وهذا نظرياً قد يمكنها من العودة إلى مسار النمو بشكل أسرع من خلال عملية Devaluation للعملة الجديدة. نظرياً أيضاً سيؤدي ذلك إلى زيادة تنافسية اليونان من خلال الأجور المنخفضة جراء عملية Devaluation، وبالتالي زيادة صادراتها. لكن تقييم هذا الخيار يجب أن يتم في إطار الظروف العملية والقانونية وليس وفقاً للجوانب النظرية لذلك. فاتفاقية ماسترخت التي تم بموجبها تأسيس الاتحاد الأوروبي لم تتضمن في موادها أي خروج من منطقة اليورو دون أن يعني ذلك الخروج من الاتحاد الأوروبي بأكمله. وهذا يعني أن اليونان ستحرم من جميع المزايا التي يقدمها الاتحاد، بما في ذلك المزايا المتعلقة بالتجارة، وحرية حركة العمالة، وغيرها، مما يعني أن المكاسب النظرية من زيادة التنافسية نتيجة عملية الـ Devaluation ستكون محدودة جداً. أضف إلى ذلك عدم وجود قاعدة صناعية كبيرة في اليونان تمكنها من الاستفادة من ذلك من خلال التصدير، بينما ستتركز استفادتها من خلال انتعاش قطاع السياحة، بالنظر إلى الفروقات بين سعر صرف العملة اليونانية الجديدة واليورو.
على الجانب الآخر، فإن عملية الخروج من منطقة اليورو وبالتالي الاتحاد الأوروبي ستنطوي على مناقشات سياسية لعملية الخروج، ولن تكون قراراً أحادياً من قبل اليونان، مما سيؤدي إلى تكلفة سياسية كبيرة أيضاً، هذا فضلا عن التكاليف الاقتصادية الكبيرة المترتبة على ذلك. إذا كنا تعلمنا شيئاً من ذلك، فهو أن الدخول في منطقة عملة موحدة ليست قراراً سهلاً، فهي تنطوي على التخلي عن جزء مهم من السيادة للدولة، في مقابل الحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية من خلال الاندماج في منطقة عملة واحدة. وإذا كان من عمل يجب القيام به قبل تحقيق ذلك، فهو التأكد من توافر جميع العوامل اللازمة لنجاح منطقة العملة الموحدة ومن إدراك وفهم جميع النتائج المترتبة على ذلك، لأن ما يبدو أن دخوله سهل فإن الخروج منه قد يكون صعبا جداً.