هل سنشهد ولادة عملاق اقتصادي إسلامي؟
لن نجافي الحقيقية إن قلنا إن الدول العربية والإسلامية لم تسارع الخطى كي تلحق بركب الحضارة والتمدن في العصر الحديث. في العالم حاليا أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، نحو ربع سكان الأرض. وهناك 57 دولة إسلامية مساحتها الإجمالية تتجاوز 42 مليون كيلومتر مربع، وهذا يوازي أكثر من أربعة أضعاف مساحة الصين أو الولايات المتحدة.
بعض هذه الدول يملك من الموارد البشرية والطبيعية ما كان يؤهلها كي تكون في طليعة الدول التي برزت على الساحة العالمية أخيرا كقوة اقتصادية جبارة مثل الصين أو البرازيل أو الهند. بيد أننا لم نلاحظ حتى الآن بروز دولة إسلامية باستطاعتها مجاراة هذه الدول الصاعدة في تكوين الثروة المستندة إلى معدلات نمو عالية تحققها من خلال نهضة علمية وصناعية وتكنولوجية وتربوية وزراعية شاملة.
تحدثت في هذا العمود عن دولتين مسلمتين استطاعتا تحقيق طفرات اقتصادية لا بأس بها، ولكن لم ترق إلى ما وصلته الصين أو البرازيل مثلا. دول مثل الصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا على سبيل المثال تلعب دورا بارزا في الساحة الدولية مستندة قبل كل شيء إلى قوتها الاقتصادية. فالصين والبرازيل ودول أخرى مثل الهند بإمكانها تحدي الدول الغربية وسياساتها فيما يخص شؤون الشرق الأوسط مثلا. ولكن ليس هناك دولة عربية أو إسلامية تملك من القوة الاقتصادية وناصية العلم والمعرفة ما يمكنها من التأثير حتى غير المباشر على سياسات الدول الغربية صوب قضايا الشرق الأوسط.
نعم هناك دول عربية ثرية جدا لما حباها الله من ثروات طبيعية هائلة، إلا أن الثروة ما لم تستند إلى ركائز المعرفة والصناعة والعلم والتكنولوجيا والعمالة الوطنية وليس المستوردة يكون تأثيرها محدودا وهدرها سهلا وعرضة للأطماع الأجنبية. دول كانت فقيرة في الموارد الطبيعية، مقارنة ببعض الدول العربية، مع ذلك تحولت إلى نمور اقتصادية ولنا في بعض دول جنوب شرق آسيا خير مثال.
وقد لا يعرف البعض أن نحو نصف عدد المسلمين في العالم يقطن في جنوب شرق آسيا. والمسلمون في هذه المنطقة لهم ثقافات ولغات وديمغرافية تختلف عن بقية المسلمين، ولكنهم ما زالوا لقرآنهم وإسلامهم حافظين وفي مناح شتى من حيث الالتزام بقيم الإسلام السامية والسمحة، فإنهم قد يأتون في مقدمة المسلمين قاطبة.
وبينما يحتدم النقاش بين علماء الاقتصاد حول ما إذا كانت الصين أو الهند ستزيح أمريكا عن مكانتها كأعظم قوة اقتصادية في العالم في القرن الـ 21، دخلت حلبة الصراع دولة آسيوية أخرى ولكن بهدوء وروية، وهذه الدولة هي إندونيسيا. يضع الاقتصاديون إندونيسيا اليوم بين دول العالم القلائل التي لم تتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية ويتوقعون لها نسبة نمو أكثر من 6 في المائة في السنين المقبلة، أي أن تطور إندونيسيا سيكون أسرع بكثير من مثيلاتها الآسيوية.
ويتوقع الاقتصاديون أن يشهد الإنتاج القومي الإجمالي نموا بنسبة 20 في المائة، ونقلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الشهيرة عن محللين قولهم إن الدول الصاعدة والمعروفة بمختصر بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) ربما عليهم التفكير مليا لإضافة إندونيسيا إلى مجموعتهم. واليوم تهتم الصحف الاقتصادية العالمية بما يجري في هذا البلد من تغيير لمواكبة النمو الاقتصادي.
إندونيسيا بلد شاسع، مساحته مليون و900 ألف كيلومتر مربع وسكانه 248 مليونا. هناك مشكلات يعانيها الاقتصاد منها نسبة الفقر التي تصل إلى 14 في المائة، إلا أن البلد يشهد استقرارا سياسيا بعد انتخابات ديمقراطية رئاسية سلمية ومنظمة وتدفق الاستثمارات الأجنبية. ما يحدث في إندونيسيا مقارب لما حدث في الصين قبل عقدين، حيث نهض العملاق الصيني على قدميه، ولم يكل ولم يمل منذ ذلك الحين. ولكن الفرق كبير: إندونيسيا تُحكم اليوم من خلال أصوات الناخبين أما الصين فلا.
وإلى اللقاء،،،