اقتصاد المعرفة: هل ما نجتهد فيه يعدُّ معوّقا؟

كثر الحديث عن ''اقتصاد المعرفة''Economics of Knowledge / Knowledge Economy في العام الماضي، وقد ترتفع الأصوات أكثر هذا العام ولسنين طويلة. لا شك أن الكتب والأبحاث والدراسات والتقارير والمقالات المنشورة ورقيا أو على الإنترنت تناولت التعريف والتاريخ والمقومات والمكونات وأسباب التوجه العالمي وإيجابيات ذلك، بل أيضا نشرت دراسات عما يعترض هذا الاقتصاد من معوقات تحول أو تؤخر تبنيه، وقد تأكد للعالم أهميته وقيمته المضافة لكل أمة تتبناه. لدينا تأسست المراكز والمدن وأصبح الطريق للهدف بعدة اتجاهات وهو أمر نحسد عليه. إلا أن تحديد المسؤولية في رسم خريطة الطريق وترسيم المواثيق الجادة للشروع في التطبيق وإصدار اللوائح الخاصة بالعمل فيه، وله، وبه، لا يزال مصدر قلق للمهتمين. قطاع الأعمال يرغب بالإسراع في تبنيه لأن العالم من حولنا (كأمة عربية أو مجتمعات متفرقة) أصبح عديم الرحمة والمبدع لا يبالي بمن حوله فما يهمه هو كيف يتسيد سوقا في تقنية أو ابتكار أو مسار ليبقي غيره في حاجته إلى عقود طويلة. أما القطاع الحكومي فهو يدفع بالدعم والتجهيز، لكن السؤال ما زال يبحث عن إجابة: هل يحقق ذلك متطلبات التوجه؟
في الواقع قد يعي معظمنا المقصد أو معنى هذا المصطلح، لكن خلال السنوات العشر الماضية أي منذ إقرار الخطة الوطنية لتقنية المعلومات في المملكة، هل نسير فعلا نحو اقتصاد المعرفة ونحن نعي المقصد كما هو مفترض؟ إذا كنا نتعاون مع شركات أجنبية للدراسة والتخطيط فإننا لا نكترث عن أن نترجم هذه الخطط للغتنا الجميلة. حجتنا هي أننا نتجه نحو اقتصاد المعرفة. ثم إذا أردنا تصميم برنامج تدريبي مهاري أو مهني عموما نغفل عن أن تكون التقنية أدوات العمل المحركة لهذا البرنامج وفي كل خطوات التنفيذ. وإذا حاولنا استخدام الفصل الذكي فنقول أحيانا نحن نعد مناهج ذكية وفي الواقع هي رقمية فقط. وإذا.. وإذا.. حيث القائمة تطول والحاجة فعلا إلى قرار مسؤول.
هناك قوى تحرك هذا الاقتصاد، ومقومات يجب أن تتوافر ومسارات يجب أن تُسلك ليتم تبني هذا الاقتصاد، فهل ندرك ذلك وأننا قادرون على التحول في وسط التناقضات التي نعيشها؟ إن اقتصاد المعرفة يتطلب إعادة هيكلة قطاع الاقتصاد بكامله صناعة وإنتاجا واستهلاكا وتشريعا وصياغة، فما المسافة التي قطعت للآن؟ يتوقع أن يتحول المجتمع إلى مستخدم محترف ومطور مستمر ومنتج لتقنية المعلومات بشكل كمي ونوعي، فهل بدأنا من مرحلة الروضة فالابتدائي ثم استفدنا من طاقات شبابنا المندفعين في هذه المراحل؟ هل يمكن أن نبدأ من منتصف الطريق فنستفيد من هذه التقنية للخروج بصناعة أو منتج يمكن تسويقه ونضخم الفائدة بتطويره؟ هل يمكن أن نصل إلى إصدار براءة اختراع واحدة كل يوم لنعتلي مكاننا بفضل ما أنعم الله به علينا من نعم؟ يتطلب الأمر أن تدول أو تعولم أنظمة وقوانين الصناعة والإنتاج والتسويق، فهل يمكن ذلك ومتى سيكتمل العقد؟
هذا النوع من الاقتصاد يتطلب التخلي بل معاداة تقييد البحث والدراسة والتطوير. فهل سنتمكن من العدو بدلا من المشي ونحن لا نزال لا نملك قواعد بيانات في العديد من المجالات. كما أننا نبالغ في الكثير من ''السري'' و''الخشية من سرقة الفكرة'' و''هذا محظور''... إلخ. هذا النوع من الاقتصاد يتطلب استخدام التقنية في كل مكان ولجميع الأغراض تقريبا (ولا أقول الميكنة). فهل خُطَطُنا تضمنت في إحدى مراحل التنفيذ ضرورة التأكد من استخدام الاتصالات إلى أبعد ما يمكن أن نتخيله؟ هل ابتعثت شركات الاتصالات مجموعة من عباقرة شبابنا للدراسة والبحث في أقوى الجامعات العالمية ليعودوا مطورين لهذه التقنية فيخدموا الشركة وبالتالي ليخدموا الوطن؟ هل تسير سيارات النقل العام أو المخصصة لحركة القطاعات الحكومية المختلفة في طرق المملكة مستخدمة الإحداثيات وجداول السير الإلكترونية أم لا بد للسائق أن يشتري بطاريتين لجواله ليكون على اتصال مستمر مع المركز؟
من المفترض أننا لم نتأثر بأزمتي الرهن العقاري، ولا أزمة المديونية العالمية التي وضحت بشكل جلي في أوروبا، ولأي أزمات إقليمية لم يصل مداها وتأثيرها إلى خنق الدول الواقعة فيها أو انهيار اقتصادها. هذا يعني أن التحول ونحن في قمة التمكن أفضل من تبرير عدم التحرك في الوقت المناسب. لذلك نحتاج إلى أن نسأل أنفسنا. كيف يمكن توظيف موارد هذا النوع من الاقتصاد بشكل مثالي؟ كيف يمكن تحديد الفرص المتاحة والعمل على رسم خطة نكون بنهايتها في الطريق للقمة لأننا لم نغفل كيف ننفذها؟ كيف نوائم بين البيئة المحلية والعالمية في الاقتصاد المعرفي؟ هل هناك احتكار لهذا النوع من الاقتصاد؟ وكيف نتفاداه أو ندرس كيفية ممارسته لتكوين المعرفة؟ اقتصاد المعرفة يحمل في المجتمعات المتقدمة فضلا كبيرا للمرأة فهل يمكن وضعها في القارب نفسه لدينا فتقود أبناءها نحو الإبداع، فالاستخدام الأمثل ومن ثم الصناعة المميزة والمتنوعة والاستثمار فيه؟
إلى أساتذة هذا العلم وأكثر المهتمين بموارده لنقلص التنظير ولنباشر بالحديث عن التفاصيل حتى تتضح الصورة فيصبح المجتمع معرفيا يساعد على عملية التنفيذ التي ستستغرق عقدا أو عقدين من الزمن إذا كنا في قمة العطاء. والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي