رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


حرية التجارة وفاعلية أسواق النفط

القوانين والأنظمة التي تحد من حرية التجارة لها تأثير مباشر في تطوير البنية التحتية الأساسية لأسواق النفط وفي فاعلية عمل الأسواق نفسها، حيث إن تزويد الأسواق بالنفط يعتمد على التوزيع الجغرافي لحقول النفط، والبنية التحتية مثل المصافي، خطوط الأنابيب، السكك الحديدية، مجمعات التخزين والموانئ.
تسعى أسواق النفط عادة لاحتواء عدم التطابق بين النفط المطروح في الأسواق ومواصفات النفط الخام المطلوبة. تلعب اللوائح والأنظمة التجارية، والبنية التحتية اللوجستية دورا محوريا في كفاءة عمل أسواق النفط. على سبيل المثال، تشهد اليوم أسواق النفط في الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى اتساع الفجوة في عدم التطابق بين كميات النفط الخام الواصلة إلى الأسواق والمواصفات المطلوبة، حيث إن القيود المفروضة على حرية التجارة والاختناقات اللوجستية تحول دون معالجة هذا الوضع.
تقليديا، الخام الأمريكي القياسي غرب تكساس الوسيط كان يتداول في السابق بفارق دولار إلى دولارين للبرميل أكثر من نظيره الأوروبي خام برنت. كان خام برنت يرتفع فوق خام غرب تكساس الوسيط في أوقات معينة فقط، عادة بسبب بعض الاضطرابات في أسواق النفط في الوسط الغربي الأمريكي. لكن اختلال التوازن في أسواق النفط الأمريكية أدى إلى استمرار تفوق خام برنت على منافسه خام غرب تكساس الوسيط WTI منذ الربع الرابع من عام 2010 ووصل الفارق في وقت ما إلى 27 دولارا للبرميل. حيث إن نقطة التسليم لعقود خام نايمكس التي تقع في مركز التخزين في كوشينج Cushing في ولاية أوكلاهوما تعد حاليا معزولة ولا يمكن نقل النفط منها جنوبا إلى مراكز التكرير على امتداد ساحل الخليج الأمريكي. بسبب وضعها هذا، يمكن أن يرتفع مخزون النفط الخام في كوشينج بسرعة، خصوصا مع زيادة الإنتاج من الرمال النفطية في ألبرتا ومن المناطق الشمالية لأمريكا خصوصا من حوض باكن Bakken. الممر الوحيد لمخزون النفط الخام هو نقله إلى ساحل الخليج الأمريكي، حيث مركز التكرير الرئيس للولايات المتحدة. هناك مقترحات لمشاريع خطوط أنابيب عدة من شأنها أن تخفف الضغط عن منطقة كوشينج، لكن لا شيء من المقرر أن يتم إنجازه في القريب العاجل لعدم توافر حوافز كافية للقيام بذلك، لأن الولايات المتحدة تمنع تقريبا كل صادرات النفط الخام. ستستمر الولايات المتحدة في استيراد النفط، ولو بصورة أقل من السابق، لكن الحظر المفروض على صادرات النفط الخام يهدد باختناقات جديدة في البنية التحتية.
إن أي خلل في التوازن في أسواق النفط تكون له تداعيات على فاعلية عمل الأسواق وعلى الصناعة النفطية ويخلق حالة من عدم التوازن في التداول ينتج عنها فائزون وخاسرون. على سبيل المثال، مصافي التكرير في الوسط الأمريكي استفادة من الانخفاض النسبي في أسعار النفط الخام المحلية ما أدى إلى زيادة هوامش أرباحها إلى أعلى مستوياتها في سنوات. لكن مصافي التكرير في الساحل الشرقي لم تتمكن من الحصول على هذا النفط الخام، ما أدى إلى تقلص هوامش أرباحها نتيجة الاعتماد على النفط الخام القادم من الحوض الأطلسي المسعر على أساس خام برنت. نتيجة لذلك هناك نحو 700 ألف برميل يوميا من الطاقات التكريرية يتم غلقها أو معرضة لخطر الإغلاق قريبا في أسواق الساحل الشرقي الأمريكي.
الموقع ليس هو المعضلة الوحيدة في أسواق الولايات المتحدة، بل يواجه سوق النفط هناك أيضا خللا في مواصفات النفط الخام. حيث يجري توسيع المصافي الأمريكية، وخصوصا على ساحل الخليج، لتمكينها من استخدام النفط الثقيل القادم من كندا. هذا يتناسب مع سجلها السابق، حيث تم إنشاؤها أصلا للتعامل مع النفط الحامضي الثقيل القادم من الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. لكن الإمدادات الأمريكية الجديدة من مصادر الصخر الزيتي خفيفة ومتدنية الكبريت، حيث من المتوقع أن يصل إلى أسواق الساحل الشرقي الأمريكي نحو 500 ألف برميل يوميا من النفط الخفيف المتدني الكبريت في غضون العامين المقبلين أو نحو ذلك.
في الأسواق المصممة تصميما جيدا وتعمل بحرية، لا يمثل الموقع الجغرافي أو عدم التطابق في مواصفات النفط الخام المطلوبة مشكلة بالنسبة للصناعة في أي مكان في العالم، حيث إن من الممكن تداول النفط حتى خارج الفوارق الجغرافية والجيولوجية. على سبيل المثال، لو أن الأسواق الأمريكية تعمل بصورة جيدة لتم ضخ فائض النفط الخام الخفيف المتدني الكبريت إلى الساحل الشرقي، ومن هناك يتم شحنه على طول الساحل الشرقي أو تصديره. لكن القيود المفروضة على تجارة النفط في الولايات المتحدة تجعل تحقيق ذلك أمرا صعب المنال، حيث يحد قانون جونز من حركة ناقلات النفط التي ترفع العلم الأمريكي، ويحظر من صادرات النفط الخام، إلا من بعض الاستثناءات الطفيفة. هذه الحواجز المفروضة على حرية التجارة لا تعطي الصناعة النفطية الحافز للاستثمار في البنية التحتية لنقل النفط الخام إلى ساحل الخليج الشرقي وفك الاختناق عن الوسط الأمريكي.
ما لم تتخذ إجراءات لرفع القيود عن التجارة وفك الاختناقات اللوجستية فإن أسواق النفط في الولايات المتحدة ستستمر على حالها، أي اضطرابات في أسواق النفط الإقليمية ستحرف وتفصل أسعار النفط عن الأسعار العالمية. هذا الانحراف في الأسعار سيخلق حالة من عدم التوازن، حيث يستفيد البعض مثل مصافي التكرير في الوسط الأمريكي، لكن في الوقت نفسه ستضع ضغوط على هوامش أرباح المصافي في أماكن أخرى. إن استمرار الاضطرابات في أسواق النفط الإقليمية سيحول دون استعادة خام غرب تكساس الوسيط مكانته العالمية، وسيستمر تداوله بخصومات كبيرة عن سعر خام مزيج برنت.
على الرغم من هذه المعوقات من المتوقع أن يشهد العام الحالي زيادة ملحوظة في كميات النفط الخام المشحونة برا إلى ساحل الخليج الأمريكي، حيث إن من شأن خط أنابيب ''الطريق البحري'' العكسي نقل نحو 150 ألف برميل يوميا من النفط الخام الأمريكي والكندي إلى المنطقة ابتداء من حزيران (يونيو)، قد يصل إلى 375 ألف برميل يوميا بحلول عام 2013. لكن مع تزايد الإمدادات من الرمال النفطية الكندية ومن المناطق الشمالية لأمريكا خصوصا من حوض باكن فإن هذه الاختناقات والاضطرابات ستستمر. في نهاية المطاف على صناع القرار أن يقرروا كيفية التعامل مع هذا الخلل وعدم التوازن في أسواق النفط المحلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي