رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


على طريق بناء النموذج الاقتصادي السعودي (2 من 2)

تأخرت السعودية كثيرا في تأسيس نموذجها الاقتصادي والذي يجب أن يجمع بين فعالية اقتصاد السوق وتحقيق دور أكبر للعدالة الاجتماعية، بمعنى يجب ألا يكون التركيز في هذا النموذج على تحقيق الربحية دون تحقيق المنفعة المشتركة لقطاع الأعمال والمجتمع.
وإذا كان بإمكاننا أن نقول الآن إن السعودية (ودول الخليج) في مأمن من تأثير أزمة اليورو، فالإيرادات الهائلة التي وفرتها أسعار النفط القياسية، ستسهم في استيعاب الصدمات الخارجية، ولكننا نرد ونقول إن استيعاب هذه الصدمات سيكون مؤقتا، أما إذا صدق المراقبون وضرب الاقتصاد العالمي كسادا كبيرا ــــ لا سمح الله ــــ فإن الكساد العالمي سيقترب من النفط، وسيؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط في الأسواق العالمية مما يضع اقتصادات الدول النفطية التي لم تصمم نموذجا اقتصاديا في مأزق حقيقي وخطير، بمعنى إذا كان الاقتصاد السعودي ينفق فوائضه النفطية ـــ عاما بعد عام ــــ دون تصميم نموذج اقتصادي يحمي مدخرات الأجيال القادمة، فهذا أمر لا شك أنه يتهدد مستقبل وطن بأكمله.
ومن هنا تقفز أمامنا ـــ بصورة ملحة ــــ قضية بناء النموذج الذكي للاقتصاد السعودي، حتى الآن أعلنت دولة خليجية واحدة عن بناء نموذجها الاقتصادي، وهي الإمارات التي أعلنت في الشهر الماضي عن وضع نموذجها الاقتصادي موضع التطبيق.
إن المطلوب من السعودية وشقيقاتها دول الخليج مباشرة تصميم نموذج اقتصادي يعتمد على نوعية النمو وليس فقط معدلاته، لأن نوعية النمو تشمل جميع طبقات المجتمع وليس طبقة بعينها، فاقتصادات الدول الناشئة مثل تركيا والبرازيل وكوريا الجنوبية والهند وماليزيا نجحت في إيجاد موطئ قدم لها بين أقوى اقتصادات العالم، حيث اضطرت هذه الدول الناشئة إلى تبني سياسات تقشفية صارمة لسنوات عدة حتى تصل إلى هدفها، بينما السعودية قادرة على التحول تدريجيا إلى نموذجها الاقتصادي، مدعومة بفوائضها النفطية الهائلة التي ستساعدها على تجاوز أي أزمة قد تتعرض لها وهي تأخذ بأسباب بناء النموذج الذكي.
إن النموذج الاقتصادي الذي نقصده يجب أن يكون من الوضوح، حيث يتيح رؤية المشهد الاقتصادي والاجتماعي بكل أطرافه ومن جميع الزوايا والاتجاهات، وعلينا أن نتثبت من أن هذا النموذج قادر على الاستجابة لكل المتطلبات التنموية حتى الانتقال بالتنمية إلى مرحلة التنمية المستدامة.
ولكن ما نلفت النظر إليه هو ضرورة أخذ الحيطة والحذر ونحن إزاء تصميم النموذج الذكي للاقتصاد السعودي، لأن شرط الذكاء يقتضي استخداما حقيقيا واعيا لمحركات اقتصاد المعرفة، ونذكر بهذه المناسبة أن تونس الشقيقة اختارت في عهد رئيسها السابق زين العابدين نموذجا اقتصاديا مهترئا يعتبره التونسيون أنه من الأسباب التي أدت إلى اندلاع ثورة الياسمين، ولذلك ناشد الخبير الاقتصادي التونسي جمال بومدين حكومة الثورة بضرورة وضع نموذج اقتصادي تنموي جديد يقوم على مبدأ التنمية الشاملة عبر تشريك كل الفئات الاجتماعية على اختلاف مستواها التعليمي وانتمائها الاجتماعي في حلقة التنمية دون إقصاء أو تهميش لأي فرد في المجتمع، وأكد بومدين ضرورة تحسين مناخ الأعمال وإرساء حوافز مالية جديدة وتغيير طبيعة الأنشطة الاقتصادية من خلال التوجه نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية، وذلك بهدف استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، لتأمين نمو عادل على المستوى الوطني مع حتمية مقاومة الفساد وتيسير النفاذ إلى أسواق جديدة في الخارج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي