الرسائل المفتوحة بين القرني والعضيدان .. الاستئناف غير الحاسم لقضية محسومة

الرسائل المفتوحة بين القرني والعضيدان .. الاستئناف غير الحاسم لقضية محسومة
الرسائل المفتوحة بين القرني والعضيدان .. الاستئناف غير الحاسم لقضية محسومة

لم يبق أحد – على وجه التقريب - لم يعرف الشكل الذي آلت إليه قضية الدكتورة سلوى العضيدان مع الشيخ عايض القرني ولم يتخذ موقفاً من هذا الحدث بشكل أو بآخر، غير أن قضية الحقوق الفكرية التي تعد الأشهر خلال السنوات الأخيرة شهدت في مراحلها النهائية شكلا جديدا من أشكال التخاطب بين طرفيها وهو أسلوب الرسائل المفتوحة، والتي تم نشرها عبر صحف إلكترونية قبل أن يتم تداولها، وبطبيعة الحال التعليق عليها، على نطاق واسع في المنتديات والشبكات الاجتماعية.
كثير من التحليلات يمكنها أن تجد لنفسها مكاناً حين نحاول قراءة مضامين الرسالتين وإن كانت إحداهما قد لعبت دور الفعل فيما لعبت الأخرى دور ردة الفعل التي استجابت بالطريقة ذاتها، إلا أن الواقع يقول إن استخدام رسالة مفتوحة في مخاطبة طرف ما تعني بالضرورة تحويل قضية خاصة إلى إطار الرأي العام وإشراك الجمهور ولو بطريقة غير مباشرة في الموضوع، وهو ما يعني كذلك إثارة مزيد من الآراء التي من شأنها الاستطراد بالخلاف نحو مناطق لا علاقة لها بأصل هذا الخلاف، فيما يبدو أشبه باستئناف غير رسمي ولا يمكنه تخيل حسمه لقضية تم حسمها رسمياً وقانونياً.

#2#

سجال الإقناع الموازي لانتهاء القضية بدءا من خلال رسالة وجهها الشيخ عايض القرني إلى العضيدان مستخدما فيها تعبير يا ''ابنتي'' في لهجة تستخدم للمرة الأولى خلال مجريات الخلاف الذي يعود لفترة ليست بالقصيرة، واعتمد الشيخ في هذه الرسالة على أسلوب لغوي محكم دعمه بعشرة نصوص قرآنية وسبعة أحاديث شريفة وبستة استشهادات شعرية، كما طرح أسئلة بدت ذات طابع ثقافي محض مثل '' أين هؤلاء الشعراء العباقرة الكبار أصحاب هذا الشعر المذهل، وسرق شعرهم المتنبي؟''.. قبل أن يتطرق لقصيدة ''ثورة الشك'' ويضع زمام الحديث في سياق عمومي فيقول: '' التأليف على ثلاثة أقسام: نقل بالتنصيص، واشتراك في معنى وبنات فكر''.
الشيخ عائض القرني ناقش كذلك في رسالته مسألة الحقوق الفكرية ضمن رؤيته التي وضعتها في سياق ''الاستفادة بين أهل العلم والمعرفة''، وهي الجزئية التي استدعى فيها ''ابن تيمية'' بشكل أثار حفيظة البعض ممن رأوا أن هذه الفكرة لا تبدو منطقية نظرا لتناولها مرحلة لم يكن فيها قانون يتعلق بالحماية الفكرية، أما عبارة الاعتذار التي تمحورت حولها الرسالة فقد كتبت بطريقة تقسم خطأ الاجتهاد على الطرفين معاً، كما خصص مساحة لتناول تكريم الإسلام للمرأة وقيمة التسامح.
في المقابل فإن رد الكاتبة سلوى العضيدان اتجه إلى نبرة أكثر مباشرة في الرد عامدة في مستهل حديثها إلى مساءلة لفظة النداء ''ابنتي'' ورافضة في مقابلها أن تستخدم مقابلها الموضوعي ''والدي''.. انتقلت بعدها لاستعراض مواقف شخصية وعائلية وإنسانية ذات طابع مؤلم ترتبت على تبنيها لهذه القضية على مدى أشهر، وهو ما اعتبره نزوعاً إلى البعد العاطفي أيضاً وإن كانت العضيدان قد وظفته ضمن الرد على مبدأ طرحه القرني في رسالته وهو أنه ''لا يقبل الإساءة إليها''.
حضرت المفردة العامية بأكثر تجلياتها تأثيرا ضمن استشهاد العضيدان ببعض العبارات وهو ما صب في سياق المباشرة التي اعتمدتها في رسالتها، قبل أن تناقش مسألة الحقوق الفكرية التي طرحها الشيخ القرني وتتساءل بشكل يحمل مفارقة ضمنية '' تهديني تسعين كتابا في نفس الوقت الذي ترفع فيه علي قضية تتهمني فيها أني أخذت ستين صفحة من كتبك رغم أني ذكرتها في مراجع كتابي''.. ومجمل ما تقوله الرسالة هو أن الاعتذار لم يقبل في شكله الذي طرحه خصمها بل إن المتتبع لموقف المؤلفة من خلال هذه الرسالة ولنبرة الأسلوب يرى أنها تتكلم بلغة واقعة تحت تأثير استفزاز، لدرجة أنك تجزم أن النتيجة جاءت عكسية على خطابها الذي بدا أنه سيكون أكثر تسامحاً في حال لم يكتب الشيخ القرني رسالته ذات النبرة المتسامحة.
في جانب آخر، رأى مثقفون أن السجال الذي دار في الرسائل أعاد بعث التوتر من حيث كان يفترض بالقضية أن تنتهي، ولا سيما في وجود حالة عالية من التعاطي الجماهيري الذي أنتج من التعاطف الواسع مع طرفي القضية توازيها حالة من التعدي اللفظي عليهما أيضاً. الكاتب فهيد العديم يعتقد أن الرسائل المفتوحة التي تم توجيهها بعد حسم القضية كانت تتجه إلى هدف رئيس هو مخاطبة الجمهور والتأثير فيه عاطفياً عبر رسالة موجهة للطرف الآخر، ويضيف '' لم تكن الرسالة الأولى موجهة للكاتبة في تقديري، بل كانت للجمهور وتضمنت أفكارا من شأنها تهدئتهم عاطفياً، بأسلوب خطابي مؤثر''.
واعتبر العديم أن رد الكاتبة العضيدان كان رد فعل طبيعيا، في وقت بدأت تشعر فيه أنها أضحت متهمة حتى بعد كسبها القضية، في حين بقي الشيخ القرني رغم إدانته بريئا في نظر الكثيرين. ويضيف في تحليله للرسالة الأولى ''الرجل ابتعد عن''القضية'' ولم يحاول تبريرها, فخاطب ''المرأة'' كجنس ''ضعيف'' وبدا مشفقاً عليها كما هو خطابنا الاجتماعي عادة, ولم يكن - فيما أظن- أمامه إلا أن يلجأ لهذا الأسلوب''، في حين رأت الأديبة فوزية المطلق في تعليقها أن الرسائل المفتوحة تتجه بالمقام الأول إلى حشد الرأي العام، معلقة '' القرني هو من بدأ بهذه الطريقة والعضيدان بدورها لم تقف مكتوفة الأيدي'' وفيما يتعلق برد فعل الجمهور على اعتبار أنه المستهدف الوحيد بهذا السجال، أبدت المطلق انزعاجها من بعض التعليقات التي انطوت على بعض التحامل على العضيدان لمجرد أنها امرأة، وقالت إن لحظة الاعتراف بالخطأ لا تحظى باحترام واسع عادة على الصعيد الاجتماعي، وانتقدت ما وصفته بتعمد تحجيم القضية والإقلال من شأن الخصم في رسالة القرني ورأت فيها محاولة ''لوأد'' خصمته في القضية اجتماعيا وأدبيا وهو ما جعلها – والحديث للمطلق - ترد كأي أنثى مغبونة.

الأكثر قراءة