الاندماج يفتح طريق شركات البتروكيماويات الحديثة للمنافسة خارجيا
أوضحت في المقال السابق مسوغات دخول "أرامكو السعودية" مجال البتروكيماويات في خطوة تعتبر نقلة نوعية وتغيرا استراتيجيا لعملاق النفط "أرامكو". والحقيقة أن "أرامكو السعودية" لا تلام على هذا التوجه لما في صناعة البتروكيماويات من ربح وفير مقارنةً بصناعات تكرير النفط، حيث تطمح هذه الشركة في تطبيق مبدأ صناعة التكرير والبتروكيماويات، أي أن تقام هاتان الصناعتان في المجمع نفسه، حيث تقوم المصافي بإمداد مصانع البتروكيماويات بالمواد الأولية اللازمة مثل غازات الإيثيلين والبروبيلين والمواد العطرية المختلفة، ويبدو من وجود هذين المجمعين جنبا إلى جنب اعتماد صناعات "أرامكو" البتروكيماوية على الغازات الناتجة من المصافي وليست الغازات الطبيعية كما في أغلب الصناعات البتروكيماوية الأخرى الموجودة في المملكة.
ولفهم أبعاد قرار "أرامكو" بالدخول الكبير إلى عالم صناعة البتروكيماويات، يجدر بنا التأمل في جميع الأسباب التي من ضمنها أسباب اقتصادية واستراتيجية.
في البدء كما أسلفت أن صناعة تكرير النفط في العالم أجمع أقل ربحية من الصناعات البتروكيماوية لأسباب كثيرة تتعلق بخصوصية هاتين الصناعتين فالأولى (التكرير) أولياتها تأمين الوقود لوسائل النقل المختلفة، بينما الصناعات البتروكيماوية تتعلق بكل صغيرة وكبيرة في حياتنا اليومية من صناعة البناء والتشييد إلى أكياس النفايات وفرش الأسنان.
الصورة في المملكة أصعب بالنسبة لصناعة التكرير وأحلى لصنّاع البتروكيماويات، فمنتجات صناعة تكرير النفط يكاد معظمها يكون للاستهلاك المحلي كوقود للسيارات والطائرات وغازات الطهي ومولدات الطاقة، وحرص حكومة المملكة على رفاهية المواطن جعل هذه الصناعة لا تهتم بالربح بل تهتم بتزويد هذه المنتجات بأسعار تكاد تكون الأرخص في العالم.
وفيما يلي مقارنة بين أسعار الجازولين في المملكة والولايات المتحدة واليابان: يقدر سعر برميل الجازولين في السعودية الآن بنحو 25 دولارا (بعد المكرمة الملكية الكريمة) مقارنة بـ 132 دولارا للبرميل في الولايات المتحدة و200 دولار للبرميل في اليابان، هذا مع العلم أن مصافي الولايات المتحدة واليابان تحتاج 1.5 إلى برميلين خام لإنتاج برميل جازولين وذلك لتطور صناعة التكرير والتكسير في هذه البلدان التي تعد من أقدر دول العالم على إنتاج الجازولين من الخام ومن زيت الوقود الثقيل.
أما في المملكة فصناعة التكرير بشكل عام تعتبر أحسن من دول كثيرة إلا أنها لا تصل إلى الدول المتقدمة، فمثلا لا يوجد وحدات تكسير في مصفاة رابغ ما يجعل الحاجة إلى أربعة براميل خام لإنتاج برميل جازولين، وأما في المصافي الأخرى كرأس تنورة فهناك وحدة التكسير الهيدروجيني التي ترفع معدل إنتاج الجازولين وتجعل الحاجة بين 2 و3 براميل خام لإنتاج برميل جازولين.
فلو افترضنا جدلاً أن برميلين ونصف من الخام يلزم لإنتاج برميل جازولين بمتوسط سعر برميل الخام 50 دولارا وخمسة دولارات تكلفة عملية إنتاج برميل الجازولين، فإن تكلفة برميل الجازولين قد تصل إلى نحو 130 دولارا على أقل تقدير وهو يباع بـ 25 دولارا في أسواق المملكة الآن، وهذا أحد أهم الأمثلة على حرص الحكومة على رفاهية المواطن وتذليل جميع الصعاب أمام الحياة الكريمة، أي أن المملكة تنفق سنوياً نحو عشرة مليارات دولار على صناعة إنتاج الجازولين لتوفير هذه السلعة بأسعار زهيدة للمواطنين والمقيمين.
أما بالنسبة للصناعات البتروكيماوية، ففيها أوجه شبه واختلاف مع صناعة التكرير يكمن التشابه في تأمين اللقيم اللازم لهذه الصناعة بأسعار زهيدة (كما هو الحال في تأمين الجازولين للمواطنين) ولكن الفرق أن الجازولين يستهلك كله في المملكة بحكم العدد الهائل من السيارات الموجودة فيها، أما منتجات المصانع البتروكيماوية فأغلبها يصدر ويباع بالأسعار العالمية، وحتى الذي يباع بالداخل يباع بالأسعار العالمية.
إذا المصانع البتروكيماوية تشتري اللقيم بأرخص الأثمان (نحو سدس السعر العالمي) وتبيع منتجاتها بالأسعار العالمية، وبناءً عليه أصبحت أرباح الشركات البتروكيماوية أقرب للخيال، فمثلاً ربحية الطن من البولي إيثيلين تقدر بحدود ألف دولار، وربح الطن من بولي بروبلين نحو 500 دولار عام 2006م. فلو افترضنا أن شركة ما تنتج سنوياً 300 ألف طن من البولي إيثيلين و100 ألف طن من بولي بروبلين، فإن ربحية هذه الشركة قد يصل إلى 350 مليون دولار سنويا. وبناء عليه فمن الطبيعي أن ترفع شركات النفط ربحيتها المتعثرة بسبب صناعة التكرير، بإضافة المجمعات البتروكيماوية جنباً إلى جنب المصافي النفطية.
وفي هذا السياق أعلنت "أرامكو السعودية" عن ثلاثة مشاريع بتروكيماوية طموحة مرتبطة بالمصافي الموجودة، والتي سيتم أيضاً توسيعها وتطويرها، وهذه المشاريع هي:
* مشروع بترو رابغ، حيث من المتوقع أن يبدأ الإنتاج عام 2008، وقام هذا المشروع بالشراكة مع شركة سوموتومو اليابانية بتكلفة إجمالية تقدر بنحو عشرة مليارات دولار، ويعتبر هذا المشروع نموذجاً للعلاقة الحميمة التي تربط صناعة البتروكيماويات بصناعة تكرير النفط.
* مجمّع رأس تنورة البتروكيماوي، وهذا المشروع لا يزال في خطواته الأولى، حيث يتم التباحث مع شركة داو الكيمياوية العالمية لتكون شريكا في هذا المشروع ،وسيتم في هذا المشروع تكسير النفثا بالإضافة إلى إنتاج العطريات والإيثيلين والبروبيلين، ومن المتوقع أن ينتهي العمل في هذا المشروع عام 2012.
* مجمّع ينبع البتروكيماوي، وهذا المجمع لا يزال في طور وضع الخطط النهائية، حيث من المتوقع توسيع مصفاة ينبع وإنتاج غازات الأولفينات والمواد العطرية، وسيتم الانتهاء من هذا المشروع عام 2014.
وأما خارجيا، فقد قامت شركة أرامكو بالشراكة مع "صينوبك" الصينية وشركة إكسون موبيل بتوسعة مصفاة فيوجان الصينية وإنشاء مجمّع فيوجان البتروكيماوي الذي سينتج 800 ألف طن سنوياً من مادتي البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، إضافة إلى 700 ألف طن سنوياً من مادة البارازايلين العطرية، وسيتم استخدام النفط العربي المحتوي على الكبريت لقيما لمصفاة فيوجان، وسينتهي العمل في هذا المشروع عام 2008.
وختاما، ونحن نشهد تطوراً هائلاً في الصناعات البتروكيماوية في المملكة، نأمل من الشركات الحديثة أن تأخذ الخبرات والدروس ممن سبقوها في هذا المجال، لأن كل هذه الصناعات تصب في خدمة هدف واحد وهو خدمة المواطن السعودي وخدمة هذا البلد. ومع الاندماجات الكبيرة التي نراها في الشركات العالمية من أجل البقاء والاستمرار في التنافس قد نشهد بعد فترة خروج أنواع معينة من الاندماجات في المملكة فعلى سبيل المثال صناعة البولي إيثيلين والبولي بروبيلين المنتشرة في المملكة من أكثر من شركة قد تندمج كلها في شركة وطنية واحدة.
* أكاديمي متخصص في صناعة تكرير النفط والبتروكيماويات ـ الظهران
[email protected]