أوشك الديّن العام أن ينجلي
إيرادات عامة تقديرية تقارب الـ702 مليار ريال، ونفقات عامة تقديرية تقارب الـ690 مليار ريال، وفائض متوقع يقارب الـ12 مليارا. أرقام تاريخية تشكل أضلاع مثلث الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد (1433-1434هـ) التي أقرها أمس مجلس الوزراء الموقر. ميزانية خير لغد مشرق مدعومة بفائض محقق من الميزانية العامة للدولة للعام المالي الحالي (1432-1433هـ) يقارب الـ306 مليار ريال. آلية خير زفها لنا مجلس الوزراء السعودي الموقر أمس عندما أقر الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد (1433-1434هـ)، وما حمله هذا الإقرار من مخصصات مالية لتنفيذ مشاريع حيوية لدعم جوانب الاقتصاد السعودي الأربعة: الاقتصاد التنموي، الاقتصاد الاجتماعي، الاقتصاد السياسي، والاقتصاد الاقتصادي.
فبالنظر إلى معدل مخصصات بنود الإنفاق العامة منذ الخطة التنموية السابعة وحتى اليوم الذي يمثّل العام الثاني من الخطة التنموية التاسعة، نجد أن هناك بنود إنفاق تجاوزت مخصصاتها متوسط حجمها في الأعوام العشرة الماضية إلى إجمالي المصروفات الفعلية. فخصّص لبند "الموارد البشرية"، والذي يشمل قطاع التعليم العام والتعليم العالي وتدريب القوى العاملة، قرابة 168.6 مليار ريال. يمثل هذا المخصص قرابة 24 في المائة من إجمالي المصروفات الفعلية. هذا يدل على استمرار بناء الموارد البشرية بمختلف شرائحها وتعليمها وتأهيلها، عطفا على بلوغ متوسط حجم مخصصها في الأعوام العشرة الماضية إلى إجمالي المصروفات الفعلية، والبالغ قرابة 25 في المائة من إجمالي المصروفات الفعلية. كما خصّص لبند "الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية" قرابة 86.5 مليار ريال. يمثل هذا المخصص قرابة 13 في المائة من إجمالي المصروفات الفعلية؛ مما يدل على ما يتوقع أن تحظى به الخدمات الصحية والاجتماعية من دعم إضافي هذا العام؛ كون أن متوسط حجمها في الأعوام العشرة الماضية إلى إجمالي المصروفات الفعلية بلغ قرابة 8 في المائة من إجمالي المصروفات الفعلية. كما خصّص لبنود الميزانية الأخرى مخصصات لامست أو تعدت متوسط حجمها في الأعوام العشرة الماضية إلى إجمالي المصروفات الفعلية.
هذه التطورات الشاملة التي حملتها الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد (1433-1434هـ) في جانب الاقتصاد التنموي لن تكون بمعزل عن التطورات في جوانب منظومة الاقتصاد السعودي المتبقية، الاقتصاد الاجتماعي، والاقتصاد السياسي، والاقتصاد الاقتصادي. حيث يتوقع من قراءة بنود الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد (1433-1434هـ) أن يستوعب جانب الاقتصاد الاقتصادي جزءا ليس بالقليل من اعتمادات الميزانية، حيث سيتم ذلك عن طريق التحويل إلى احتياطي الدولة، وحساب تسديد الدَّين العام. ويتوقع أن يسهم التحويل إلى احتياطي الدولة في تعزيز جانب الاقتصاد السياسي لمنظومة الاقتصاد السعودي عن طريق تعزيز مكانة المملكة السياسية في المنطقة والعالم. وهنا لا بد من الأخذ في الاعتبار التطورات السياسة والعسكرية في المنطقة، وانعكاسات ذلك على الاحتياطي الحكومي.
كما يتوقع أيضا أن يسهم التحويل إلى حساب تسديد الدَّين العام في تعزيز جانب الاقتصاد الاقتصادي لمنظومة الاقتصاد السعودي عن طريق تقليل الالتزامات المستقبلية للمنظومة، التي قد تشكل تحديا يعوق نمو منظومة الاقتصاد السعودي بداية العقد المقبل. يشير التقرير الـ47 لمؤسسة النقد العربي السعودي إلى التطّور في معالجة الدين العام ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي. حيث كان الديّن العام قرابة 660 مليار ريال بداية تنفيذ الخطة التنموية الثامنة (2005-2009)، وبنسبة قرابة 70 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. ثم انخفض الدين العام بداية تنفيذ الخطة التنموية التاسعة (2010-2014) ليصل إلى قرابة 167 مليار ريال، وبنسبة قرابة 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. حملت الميزانية العامة للدولة للعام المالي الحالي (1432-1433هـ) إنجازا جديدا بانخفاض الدين العام إلى 135.5 مليار ريال، وبنسبة قرابة 6.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. أحد الانعكاسات الإيجابية المتوقعة من هذا الإنجاز اكتساب الاقتصاد السعودي المزيد من المرونة نحو مواصلة نموه واستدامته، على الرغم من التحديات المالية التي تواجهها مجموعة من الاقتصادات المتقدمة ذات العلاقة البينية مع الاقتصاد السعودي. من الأمثلة على زيادة المرونة هو زيادة مستوى السيولة في المصارف السعودية بعد إتمام عملية شراء سندات الدين العام قبل موعدها. وزيادة السيولة ستدعم تنافسية المصارف السعودية في تطوير قنوات استثمارية جديدة غير السوق المالية من خلال مشاركة القطاع الخاص في مشاريعه التوسّعية. وهنا نافذة ضوء ستحملها مشاريع القطاع الخاص المقبلة في استثمار الموارد البشرية السعودية، وفي إطار سياسات وأهداف خطة التنمية التاسعة، ووفق أولويات المجلس الاقتصادي الأعلى.
أحد أهم المخرجات غير المباشرة في تطورات جانب الاقتصاد الاقتصادي من منظومة الاقتصاد السعودي أنها ستتدفق، بعون الله، في الجوانب الثلاثة المتبقية من جوانب منظومة الاقتصاد السعودي: الاقتصاد التنموي، الاقتصاد الاجتماعي، والاقتصاد السياسي؛ وذلك لتشكل أرضية انطلاق متينة لمنظومة الاقتصاد السعودي في موجته الخمسينية الثانية (2000-2050)، بعون الله.
إقرار مجلس الوزراء الموقر للميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد (1433-1434هـ) أمس هو تجسيد جديد لسياسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - في دعم عملية تنمية واستدامة منظومة الاقتصاد السعودي. عملية تنموية طموحة تعمل ضمن مجموعة تحديات رئيسة قائمة تستلزم الموازنة بينها، ومستهدفات رؤية الاقتصاد السعودي 2025، وواقع العام الثالث من الخطة التنموية التاسعة (2010-2014).
أسال الله رب العرش العظيم أن يديم علينا نعمه، وأن ينفع الوطن والمواطن بهذه الميزانية المباركة.