هيئة السوق بحاجة إلى مراجعة استراتيجياتها
<a href="mailto:[email protected]">amsultan@hotmail.com</a>
أثير جدل حول علاوة إصدار شركة البحر الأحمر للإسكان التي بدأ الاكتتاب في 30 في المائة من أسهمها يوم السبت، فعلاوة الإصدار البالغة 48 ريالا جعلت قيمة الاكتتاب في 30 في المائة من أسهم الشركة تصل إلى 522 مليون ريال، أو نحو ضعف القيمة الاسمية للشركة. أي أن هيئة السوق المالية قد قيمَّت هذه الشركة بمبلغ 1.740 مليون ريال، وهذا في نظر الكثير قيمة مبالغ فيها جدا، خاصة إذا علمنا أن هذه الشركة قد قامت قبل فترة قصيرة فقط من إعلان طرحها للاكتتاب برفع رأسمالها من ثلاثة ملايين ريال إلى 300 مليون ريال.
هناك من يعتقد أن هذه المبالغة الشديدة في تحديد علاوة الإصدار ستعني أن سعر سهم هذه الشركة بعد طرحها للتداول سيكون متدنيا، ما يلحق بالغ الضرر بالمكتتبين ويتسبب في خسارتهم، إلا أن ما سيحدث هو العكس تماما. فهذه الشركة بعدد أسهمها المطروحة التي لا تتعدى تسعة ملايين سهم فقط، ستكون منجم ذهب وفرصة ثمينة للمتلاعبين في السوق، أو من يسمون أنفسهم "بالمجموعات"، تفاديا للاسم الذي يستحقونه فعلا وهو اسم "عصابات السوق". فهذا العدد المحدود من الأسهم يجعل هذه الشركة مرشحة للانضمام سريعا إلى كوكبة أسهم المضاربة، التي يجمع بينها محدودية عدد أسهمها وسهولة السيطرة عليها والتحكم في حركة أسهمها. على سبيل المثال، شركة الصادرات التي تتداول بقيمة سوقية تتجاوز مليار ريال، وأصولها لا تتجاوز قيمتها 149 مليون ريال، يبلغ عدد أسهمها 7.2 مليون سهم فقط. وشركة شمس التي تبلغ قيمتها السوقية ما يزيد على 1.4 مليار ريال، ولا تتعدى أصولها 104 ملايين ريال، يبلغ عدد أسهمها 15 مليون سهم فقط. وشركة الباحة التي تبلغ قيمتها السوقية 1.23 مليار ريال، وحجم أصولها يقل عن 101 مليون ريال، عدد أسهمها 15 مليون سهم فقط. هذه الشركات، وغيرها من شركات المضاربة، محدودية عدد أسهمها مكنت المتلاعبين من رفع أسعار أسهمها إلى معدلات لا يمكن قبولها ولا يمكن حتى تخيل وصولها إليها، وأداء معظم هذه الشركات المتدني جدا، لم يمنع من أن تتداول أسهمها بأسعار تفوق كثيرا سعر طرح شركة البحر الأحمر، ومن المؤكد أن أداء هذه الشركة مقارنة بسعر اكتتابها أفضل كثيرا من أداء شركات المضاربة مقارنة بسعر تداولها في السوق حاليا.
إن سوق الأسهم السعودية بسبب تفشي عمليات التحالفات بين المتلاعبين قد فقدت تماما أي قدرة على تقييم الشركات المتداولة في السوق بأي مستوى مقبول من الواقعية، والمعيار الوحيد لتقييم الشركات المدرجة هو عدد أسهم الشركة فقط دون أدنى اعتبار لحقيقة أدائها، فكلما قل عدد أسهم الشركة كلما بالغت السوق في تقييمها بسبب نشاط مجموعات المتلاعبين في السوق. وهيئة السوق المالية هي صمام الأمان الوحيد الضامن لتقييم الشركات تقييما عادلا قبل طرحها، وإن حدث إخفاق من جانب الهيئة في القيام بذلك، فإن ذلك سيعني أن هذه السوق ستكون مشرعة ومفتوحة لاستغلالها، ليس فقط من قبل المتلاعبين في السوق، وإنما من قبل مالكي الشركات الساعية للإدراج في هذه السوق بسعر يبلغ أضعاف سعرها العادل. وفشل السوق المؤكد في تقييمها بصورة مناسبة بعد التداول، ووصول أسعارها إلى مستويات تفوق كثيرا سعر طرحها، سيساء استخدامه دون شك من قبل مالكي تلك الشركات للتدليل على عدالة علاوة إصدارها مهما كانت مرتفعة، وهذه مغالطة واستغفال يسهلان مهمة كل راغب في إدراج شركته في هذه السوق بعلاوة إصدار متضخمة مبالغ فيها.
ما يجعل من المهم قيام هيئة السوق المالية بمراجعة شاملة لاستراتيجياتها وللخطوات والإجراءات التي اتخذتها خاصة منذ انهيار السوق في شباط ( فبراير) الماضي، فقرارات مثل قرار السماح للأجانب المقيمين بالاستثمار المباشر في السوق، قرار تجزئة الأسهم، التجاوز والتغاضي عن مخالفات المتلاعبين في السوق، وأخيرا قرار فتح السوق أمام المؤسسات المالية وصناديق الاستثمار الخليجية، جميعها تؤكد أن الهيئة تشخص مشكلة السوق بأنها تراجع في الطلب يستدعي اتخاذ خطوات تسهم في زيادته وضخ مزيد من السيولة إلى السوق. رغم أن عدم فعالية هذه القرارات في تحقيق الأثر المطلوب يظهر بوضوح أن مشكلة السوق مختلفة تماما، وتتمثل في محدودية عدد الأسهم المتاحة مقارنة بحجم الطلب الكبير الناجم عن النمو الكبير المتواصل في السيولة المحلية، الذي تسبب في ارتفاع كبير في أسعار الأسهم بصورة مبالغ فيها جدا، زاد من حدته تفشي الممارسات غير الأخلاقية وغير المشروعة للمتلاعبين في السوق، نتج عن كل ذلك انهيار السوق بعد وصول أسعارها إلى قيم لا يمكن المحافظة عليها مع تزايد قناعة المتداولين بأنها سوق مبالغ فيها قريبة الانهيار.
ما يعني أن السوق بحاجة إلى معالجة مختلفة تماما عن المعالجة التي تبنتها الهيئة، ترتكز على توسيع السوق وتعميقها من خلال تسريع طرح شركات جديدة من خلال عملية عالية الشفافية لا تستغل وضع السوق لتعظيم مكاسب مالكي الشركات المطروحة، وتقليل نسبة ملكية الدولة في الشركات القائمة، واتخاذ خطوات صارمة تعيد الثقة إلى السوق من خلال محاربة التلاعب والتحالفات غير المشروعة التي أسهمت في زيادة معاناة المتداولين وتركت انطباعا جليا بأن السوق تنقصها العدالة والشفافية وتعمها عمليات التدوير والتداول الوهمي. وعدم قيام الهيئة بذلك سيعوق تحقق استقرار السوق، ويجعلها تتذبذب بين ارتفاع حاد متركز في أسهم شركات المضاربة وتراجع شامل يزيد من خسائر المتداولين ويفاقم معاناتهم، مفقدا السوق كل ما تبقى لها من مصداقية.