رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


في القطاع الصحي دراسات مهملة

أصبح الحديث عن صناعة الصحة مُركّزا في إنتاجية القطاع الخاص وتوسع القطاع العام ومواكبة أحدث التطورات التقنية في العالم، رغم أن الدراسات والأبحاث حول المرافق الصحية بأنواعها وفئاتها المختلفة لا تزال ضعيفة وبالذات مرافق القطاع الخاص، إلا أن الاعتماد عليها مستمر في التنامي وأتمنى أن يكون الاعتماد من نوع آخر.

في الواقع إذا كنا نتحدث عن الكفاية في تقديم الخدمات الصحية على مستوى المملكة فقد نكون بعيدين عن ذلك بعض الشيء، هذا لأننا عادة ما ندرس ونقارن بالأرقام عدد الأسرة بعدد السكان حسبما تم الاتفاق على ذلك في منظمة الصحة العالمية وتوصيات كثير من الدول المتقدمة.

هذه الإحصائيات عندما تقارن ظروف دولة بأخرى يشار إلى تساوي أو تقارب الظروف وتوازيها في الرقعة والكثافة السكانية وتوزيعها والدخل... إلخ. ولكن هذا القياس ينطبق على دول يكون فيها النظام الصحي متكاملا وفي تنامٍ مستمر ومستديم بنسب تكاد تكون مدروسة ومبنية على قواعد رسخت منذ قرون. إذا ما نظرنا للدول المتقدمة وعلى سبيل المثال ''الدول الأوروبية'' ففيها يتم استيعاب أو امتصاص نصف الإنفاق العام سنويا على نظام الرعاية الصحية عامة؛ حيث يكون ذلك بين تشييد مرافق صحية وتطوير تقنيات وتحديث سبل التشخيص والعلاج وتحسين مسار التخصصات الصحية في التعليم والتدريب وتقديم الخدمة في المرافق الصحية. ورغم أن النمو السكاني نسبة أقرب إلى الثبات فإن الإنفاق ما زال يسجل ارتفاعه نظرا لنوعية الخدمة المقدمة والرغبة في تحقيق أقصى درجات الجودة والكفاية. ولكن ماذا عن النظم الصحية في دول آسيا وإفريقيا وبالذات تلك التي لديها طموح كبير؟

واقعيا فقد أصبح الاستثمار في المستشفيات توجها محمودا ومذموما في الوقت نفسه فهو يدغدغ مشاعر المستثمرين وأصحاب القرار في الشأن الصحي لأنه ينقل الخدمات الصحية نقلة نوعية، ويغطي أكبر مساحة مشغولة بعدد من السكان، ويعود على المجتمع بالإصحاح العام مع استمرار التطوير في تقديم الرعاية الصحية. أما للمستفيدين خدميا فهو في أغلب الأحيان زيادة في الأسى والحزن، واستهلاك غير مراقب للموارد، وقد يكون نقمة على كثير من أفراد المجتمع إذا ما صعب عليهم الحصول على الخدمة، أو استمرت حالات دون علاج أو حل مرضٍ، أو أُقعِد قريب أو فُقد عزيز. وإذا ما نظرنا إلى حال الكثير من المستشفيات عامة أو خاصة فإننا نجد مفارقات كبيرة تستدعي وضع دراسة وطنية مركبة لا بد أن تبدأ على عدد بسيط عشوائي ثم توسع العينة إلى أن تكتمل دراسة المستشفيات بشكل عام.

الأسئلة المحورية في استثمار رؤوس الأموال في المستشفيات ومقارنة ما يمكن استثماره بالنتائج الحالية والمتوقعة تتعدد بناء على توجه كل مستثمر، ولكن إذا ما حاولنا تقريب وجهات النظر والتوجه العام الذي يمكن أن يتبناه مجلس الخدمات الصحية، حيث المظلة العامة للخدمات الصحية فأعتقد اجتهادا ومن خلال النشر العلمي ـــ ودون ترتيب ـــ أنها: للقطاع الخاص مثلاً: إلى أي مدى تم التخطيط لما رصد كرأسمال للمستشفى تابع للقطاع الخاص يتناسب وتطور الخدمات وبقاء المستشفى في دائرة المنافسة؟ إلى أي مدى تستطيع المستشفى أن تقاوم التغيير أو تتعايش معه خصوصا إذا كان يختلف في محتواه عن السابق في المبادئ والأسس وبالطبع في محتوى الخدمة العلاجية؟ من هذا السؤال يمكن اشتقاق أسئلة عديدة منها هل التصميم الهندسي والسياسات والإجراءات التنظيمية والتقدم التقني عوامل كفيلة بنقل المستشفى تقنيا من مرحلة إلى أخرى قابلة لأن تتكيف مع التحول الكمي والكيفي لتقنية الاتصالات والمعلومات؟ أما بالنسبة للقطاع العام فهي متهددة ويمكن شمولها في مقال آخر.

مثل هذه الدراسات لا بد أن تبدأ الآن وقبل فوات الأوان. فالشواهد تدل على أن هناك بيوتا تتحول إلى مستشفيات ومستشفيات مقفولة لا يمكن تشغيلها، وأخرى تقدم الخدمة تحت عنوان ''العجز''؛ حيث يمكن تفسير ذلك ماليا وإداريا وحركيا... إلخ. في المقابل هناك الكثير من الأمراض بدأت تتحول من قاتلة إلى صديقة بفضل التطور التقني والصناعة الدوائية والفكر البشري، وهذا مما نريد تبنيه واستمراره بالكفاءة نفسها في جميع المناطق دون استثناء.

قد يكون التصميم المعماري أو الهندسي إحدى المشاكل ولكن هل هو أكبرها؟ وقد يكون استخدام التقنية في التشخيص والعلاج من أكثر الإجراءات تعقيدا ولكن هل هي المعضلة القادمة؟ أما التمويل فهو حقا يحتاج إلى مراقبة دائمة فرأس المال يؤسس نشاطا وسواء كان ربحيا أم إنسانيا خدميا فهو الأساس في تحقيق الزيادة الإنتاجية للمنشأة أو الموقع. الموارد البشرية، من ناحية أخرى، عادة ما تكون العقبة التي تأخذ أكبر حيز من التفكير والعمل لتخطيها (ولا يمكن تخطيها)، فالعددية والنوعية في التخصصات الصحية لم تعد تتحور فقط، بل أيضا تتغير مسمى ومهام وأسلوب العمل.

هذه العوامل تجعل من اتخاذ القرار في القطاع الصحي حول هذه الدراسات وإعدادها يمكن أن يمتد ليشمل شركات التأمين وسوق الأدوية والعقاقير صناعة وبيعا وتوزيعا وممارسة واستخداما؛ حيث إن الخدمات الصحية كلٌ لا يتجزأ. وللتنويه لا بد أن تكون على مراحل ومبنية على خطط مدروسة مهنيا، إضافة إلى الجانب المالي الذي بالطبع يحرك كل ساكن. والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي