رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المؤشرات المرجعية والإقناع المحقق للموالاة

في مقالة سابقة تطرقت لموضوع مهم وهو ''الإقناع في ظل الوعي الجمعي الجديد''، وفيها أردت أن أؤكد أن الإخبار غير الإقناع، وأن الإقناع يتطلب فهم طريقة تفكير ومستوى وعي من تسعى لإقناعه، وأن الإقناع لا يتحقق إلا عبر التواصل باتجاهين بين المرسل والمستقبل؛ ولذلك إذا كنت تريد إقناع الرأي العام فعليك أن تعرف مستوى وعي الرأي العام الذي تريد إقناعه، وأن تعلم كذلك معدلات نمو هذا الوعي وأسبابه ومصادره، وأن تجد آليات للتواصل معه باتجاهين؛ لكي لا تنعق في واد لا يسمعك فيه أحد، أو تنعق بما يضرك ولا ينفعك عندما يسمعك أحد فيعمل ضدك بسبب رسائلك الإقناعية الاستفزازية بدلا من أن تحصل على الموالاة التي تنشدها.
تُعرّف العلاقات العامة بأنها ''الجهد المقصود والمخطط له والمتواصل لإنشاء والمحافظة على تفاهم مشترك بين المنشأة وجمهورها''، وأقول إنه جهد يهدف لتحقيق موالاة الجمهور للمنشأة سواء كانوا جهات تنظيمية أو رقابية أو عملاء أو وسائل إعلامية أو رأيا عاما، أو غير ذلك، وهذا التعريف يوضح أن تحقيق الموالاة للمنشأة عبر إنشاء التفاهم المشترك والمحافظة عليه لن يكون إلا من خلال جهد مقصود ومخطط له ومتواصل، والتخطيط لا يكون إلا من خلال دراسات تحليلية لجماهير المنشأة لمعرفة درجة وعيهم ومعدلات نمو هذا الوعي بالمنشأة ومنتجاتها أو خدماتها وبيئتها وعناصر تنميتها في إطار تنمية قطاعها والاقتصاد الوطني بشكل عام.
ولكن وللأسف الشديد الكثير من الأجهزة الحكومية وشركات القطاع الخاص والجمعيات المدنية ومعظمها يفتقد لمتخصصين يجمعون بين العلم والخبرة في مجال العلاقات العامة ما زالوا يظنون أن التواصل مع جماهيرهم عملية ثانوية ويمكن لأي كان ومهما كان تخصصه وخبراته القيام بها، وأن التواصل مع الجماهير لا يستحق بذل الأموال للدراسات التحليلية وتطوير الخطط الفعالة وتطبيق مفاهيم الجودة للوصول لأعلى كفاءة ممكنة ما يجعلهم مشوهي الصورة ومتضرري السمعة لدى جماهيرهم، رغم أن واقع بعضهم خلاف ذلك تماما من جهة العمل والإنجاز والقيم والمفاهيم الأخلاقية الحاكمة الأمر الذي يفقدهم موالاة جماهيرهم المستهدفة، وبالتالي يفقدون الدعم والمساندة والتحفيز ويحصلون على المعارضة والإعاقة بدلا منها.
لنأخذ مثالا على منشأة تريد موالاة جماهيرها لتحقيق رؤيتها والنهوض برسالتها وهي وزارة العمل التي تستهدف معالجة البطالة عبر توطين الوظائف في القطاع الخاص بالتعاون مع شركائها، وهم الجهات التعليمية والتدريبية ورجال الأعمال وطالبو الوظائف السعوديون وصناع ومتخذو القرار والوسائل الإعلامية وكتابها ومراسلوها، هذه الوزارة عجزت عبر سنوات طويلة على تحقيق الموالاة وبالتالي التعاون والتكامل المثالي لتخفيض نسب البطالة، ولا شك أن أحد أهم الأسباب ضعف هذه الوزارة على إنشاء وتحقيق التفاهم المشترك مع شركائها فيما مضى من السنين، واليوم نجحت الوزارة في إقناع شركائها بعد أن اعتمدت ''المؤشرات المرجعية'' في برنامج نطاقات الذي يضع الشركات الخاصة أمام مسؤولياتها في توظيف السعوديين دون مجاملة ودون جدل، فالمعايير المرجعية واضحة ودقيقة وصريحة وعلى المنشأة الخاصة الالتزام والتنفيذ.
إذن نحن أمام أداة قوية للإقناع وهي ''المؤشرات المرجعية'' التي تُعتبر من أهمّ الأدوات العلميّة التي تُستخدم في مجال تحسين الجودة وتطوير الأداء، وبالتالي إقناع الشركاء بأثر السياسات والجهود المبذولة وأهمية التعاون والتكامل لتحقيق الأهداف الكمية المنشودة دون الدخول في جدليات تشتت الجهود وتقلل من مستويات التعاون والتكامل، وبالتالي تعوق المنشأة عن تحقيق أهدافها والنهوض برسالتها.
والسؤال لماذا تترد المنشآت وخصوصا الأجهزة الحكومية عن استخدام هذه الأداة وإعلانها لجماهيرها المستهدفة؟ والإجابة من وجهة نظري واضحة، وهي أن ''المؤشرات المرجعية'' تضع هذه الأجهزة ومسؤوليها على المحك؛ إذ لا عذر بعد أن توضح هذه الأجهزة الوضع القائم والمستهدف والفجوة بينهما وتعلن المؤشرات المرجعية لقياس مدى تقدم هذه الأجهزة في معالجة هذه الفجوة، وهو أمر محرج وقد يؤدي إلى مطالبة جماهير الأجهزة الحكومية باستقالة أو استبدال مسؤوليها، وبالتالي فالتواصل مع الجماهير دون مؤشرات أداء مرجعية هو الحل، فالطاسة ضايعة ولا أحد يعرف مدى التقدم أو التأخر ولا أحد يطالب بالفصل أو الاستبدال.
ما الحل إذاً؟ أعتقد أن الحل وخصوصا في ظروف ارتفاع الوعي الجمعي وتسارع معدلات نموه وما يترتب على ذلك من نتائج تتطلب تحركا سريعا للتصدي للكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية بالسرعة المناسبة، أقول إن الحل يتمثل في قيام معهد الإدارة على سبيل المثال بالتعاون مع جميع الأجهزة الحكومية بتطوير ''مؤشرات مرجعية'' لقياس أداء وإنجازات الأجهزة الحكومية بطريقة علمية معلنة لتكون هذه المؤشرات محفزة وضاغطة في الوقت نفسه كما تكون مرجعا لجماهير هذه الأجهزة لمعرفة مدى شفافية وصدق خطابها الإعلامي دون الخوض في جدليات الشك والشائعات وغير ذلك من الأسباب.
ختاما: أعتقد جازما أن زمان العمل دون مؤشرات مرجعية للقياس يفهمها ويتفهمها جمهور كل منشأة قد ولى، وبالتالي علينا كمسؤولين أن نتجه لتطوير مؤشرات مرجعية لقياس أداء أجهزتنا التي نديرها لنحصل على موالاة جماهيرنا المستهدفة للوصول لأفضل حالات الفاعلية والكفاءة الإنتاجية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي