رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


تفاعل النفط والمال والنقد مع الميزانية

تعد اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الاقتصادات الأقل تضرراً من انعكاسات الأزمة المالية العالمية عند مقارنة حجم الانعكاسات بحجم الاقتصاد الكلي. يكمن الدافع خلف ذلك، أولاً، في عدم بلوغ هذه الاقتصادات درجة التكامل الشامل مع اقتصادات العالم المتقدمة. وثانيا، في المساهمة الفاعلة للاقتصادات المصدرة للنفط الشرق أوسطية والشمال إفريقية في التجاوب مع الزيادة على الطلب على النفط خلال مرحلة الأزمة المالية.
هدفت دراسة حديثة إلى محاولة التعرّف على دور السياسة النفطية والمالية والنقدية في تجاوز مراحل الركود والكساد الاقتصادية إلى مراحل الانتعاش والنمو الاقتصادية. أجريت الدراسة من خلال دراسة دور السياسة النفطية والمالية والنقدية لاقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المساهمة في تجاوز مراحل الركود والكساد الاقتصادية إلى مراحل الانتعاش والنمو الاقتصادية. اعتمدت الدراسة على إحصاءات مختلفة من إحصاءات الاقتصاد الكلي خلال مراحل النمو والازدهار والركود والكساد والانتعاش الاقتصادية لـ 20 اقتصادا محليا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال 20 عاماً الماضية. نشرت الدراسة في دوريات صندوق النقد الدولي قبل ستة أشهر تحت عنوان ''الانتعاش الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباكستان: ما مدى فاعلية سياسات الاقتصاد الكلي في تحقيق النمو الاقتصادي؟''.
قسمت عينة الدراسة الـ 20 إلى مجموعة الدول المصدرة للنفط، ومجموعة الدول المستوردة للنفط. شكلت نسبة الصادرات النفطية من إجمالي الصادرات لكل دولة فيصل تصنيف اقتصاد محلي ضمن هذه المجموعة أو تلك. حيث صنّف الاقتصاد المحلي ضمن المجموعة الأولى عندما فاقت نسبة صادراته النفطية الـ 50 في المائة من إجمالي الصادرات، وصنّف ما دون هذه النسبة ضمن المجموعة الثانية. ضمّت مجموعة الدول المصدرة للنفط كلاً من: السعودية، البحرين، الكويت، قطر، الإمارات، عمان، الجزائر، إيران، ليبيا، واليمن. بينما ضمّت مجموعة الدول المستوردة للنفط كلاً من: مصر، ليبيا، تونس، المغرب، موريتانيا، السودان، جيبوتي، الأردن، سورية، ولبنان.
هناك سببان دعما اختيار هذه الدراسة عوضاً عن دراسات الاقتصاد الكلي المهتمة بمراحل النمو الاقتصادي. السبب الأول أنه لا يوجد عدد كاف من الدراسات العلمية المعنية بكيفية تجاوز اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مراحل الركود والكساد الاقتصادية إلى مراحل الانتعاش والنمو الاقتصادية. والسبب الآخر أن السياستين المالية والنقدية في اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تسند إليها عادةً أدوار جوهرية مقارنة بمثيلاتها في اقتصادات دول العالم المتقدمة عند توجه هذه الاقتصادات نحو تجاوز مراحل الركود والكساد الاقتصادية إلى مراحل الانتعاش والنمو الاقتصادية.
تأسست الدراسة في محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات على فرضيتين رئيستين شكلت في مجملها أرضية انطلاق نحو استكشاف دور السياسة النفطية والمالية والنقدية. الفرضية الأولى أن السياسة المالية في الدول المصدرة للنفط لا تعتمد في رسم ميزانيتها للعام الجاري على أسعار النفط الحالية في الأسواق العالمية. لكنها تعتمد عوضاً عن ذلك على أسعار نفط افتراضية عادةً ما تكون متحفظة وأقل من الأسعار الحالية. وبالتالي فإن زيادة أسعار النفط الحالية عن الأسعار المفترضة ستنعكس على ميزانية العام المقبل بزيادة في النفقات، أو مستوى الفائض، أو كليهما معاً. والعكس صحيح عندما تتراجع أسعار النفط الحالية عن الأسعار المفترضة.
والفرضية الأخرى أن مساهمة القطاعات غير النفطية في إجمالي الناتج المحلي لاقتصادات المجموعة الأولى، ''الدول المصدرة للنفط''، عادةً ما تكون مساهمة متواضعة لكنها مستديمة، عطفاً على تواضع تأثرها بتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية. وبالتالي، فإن دراسة هذه القطاعات غير النفطية ستقود إلى نتائج أكثر واقعية مقارنةً بتلك النتائج عندما تدمج القطاعات النفطية مع غير النفطية.
توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج حول تباين طبيعة سلوك الدول المصدرة للنفط عن مثيلاتها الدول المستوردة للنفط في تجاوز مراحل الركود، والكساد الاقتصادية إلى مراحل الانتعاش، والنمو، والازدهار الاقتصادية. النتيجة الأولى أن الدول المصدرة للنفط واجهت حالة ركود وكساد اقتصادي خلال العقد الحالي أشد من تلك التي واجهتها خلال التسعينيات الميلادية من القرن الماضي. والنتيجة الثانية أن الفترات الزمنية لمراحل النمو، والازدهار، والركود، والكساد، والانتعاش الاقتصادية استغرقت وقتا أطول خلال العقد الحالي عن تلك التي واجهتها خلال التسعينيات الميلادية من القرن الماضي. والنتيجة الثالثة أن دور السياسة المالية في تجاوز مراحل الركود والكساد الاقتصادية إلى مراحل الانتعاش والنمو الاقتصادية يكون أقل في الاقتصادات التي تتميز بالانفتاح التجاري على الاقتصادات الأخرى عن تلك التي تتميز بالانغلاق التجاري على الاقتصادات الأخرى. والنتيجة الرابعة أن دور السياسة النقدية في تجاوز مراحل الركود والكساد الاقتصادية إلى مراحل الانتعاش والنمو الاقتصادية يكون دورا ثانويا، سواء كانت اقتصادات مصدرة أو مستوردة للنفط. والنتيجة الخامسة أن مؤشرات التعرّف إلى متانة مراحل النمو، والازدهار والانتعاش الاقتصادي في اقتصاد ما تكون تلك المؤشرات ذات العلاقة بمعدلات كل من نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية ونسبة مساهمة العجز في إجمالي الناتج المحلي.
تنساب هذه النتائج نحو النظر إلى تطورات العملية التنموية السعودية في الأيام القليلة القادمة. حيث يتوقع أن يقر مجلس الوزراء الموقر الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1433/1434هـ. سبق إعلانها تصريحان صدرا الأسبوع الماضي خلال فعاليات حوار الطاقة الأول من وزير البترول والثروة المعدنية ووزير المالية. فأكد وزير البترول والثروة المعدنية أن أسواق النفط العالمية تبدو متوازنة، وأن سعر البرميل يحدده السوق وكل شيء يحدده السوق مقبول. وأكد في الوقت ذاته وزير المالية على متانة الاقتصاد السعودي وقدرته على مجابهة أي ظروف اقتصادية عالمية مؤثرة مع استمرار برامج الإنفاق الحكومي.
تقودنا هذه التطورات إلى محاولة التعرّف على دور التلاحم والتكامل بين السياسة النفطية والمالية والنقدية في تجاوز مراحل الركود والكساد الاقتصادية إلى مراحل الانتعاش والنمو الاقتصادية. محاولة تهدف إلى التأكيد على أهمية رسم حدود المساهمة الفعلية للاقتصاد السعودي في نمو الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة، آخذين بعين الاعتبار المراحل الأولية لتكامل الاقتصاد السعودي مع الاقتصاد العالمي وتجاوبه مع الزيادة على الطلب على النفط خلال مرحلة الأزمة المالية. ففي الوقت الذي نأمل أن ينمو فيه الاقتصاد العالمي ويتجاوز تحدياته القائمة بما يمكن اقتصادنا السعودي من النمو والاستدامة بكل يسر وانسيابية، فإن التزاماتنا التنموية الداخلية تدعونا إلى ترتيب أولوياتنا بما يقدم التنمية المحلية على المصلحة الخارجية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي