متى يؤمن القطاع الحكومي بـ «خدمة العملاء»؟ (2 من 2)
الحلول: مقال الأسبوع الماضي، طرحنا فيه المشكلة (غياب مفهوم ''خدمة العملاء'' لدى القطاع الحكومي). أما اليوم، فسوف نقترح مجموعة من الحلول تتمحور حول ترسيخ مبادئ خدمة العملاء في القطاع الحكومي وتحسين خدماته:
أولا: التخلص من الفلسفة البيروقراطية التي تتعامل بها معظم الجهات الحكومية والتحول نحو ''التميز المؤسسي/ الحكومي'' (على غرار النموذج الإماراتي مثلا) الذي يركز على خدمة العملاء وتحقيق رضائهم وتنمية الموارد البشرية والمالية وتوثيق الأنظمة وتبسيط الإجراءات وتشجيع روح الإبداع وتوفير بيئة عمل تحفز الجهات الحكومية على تحقيق التنمية الوطنية ودعم القطاع الخاص وجذب الاستثمار.
ثانيا: إلغاء كلمة ''مراجع'' من قواميس البيروقراطية السعودية، واستبدالها بكلمة ''عميل''. فكلمة ''مراجع'' ــــ وهي كلمة أكرهها شخصيا ـــ ذات دلالات سلبية تعكس في معناها شخصا يتابع (يطارد) المعاملات من مكان إلى آخر. فهو ''خادم'' نفسه بنفسه وليس مخدوما. أما كلمة ''عميل'' فهي تعكس ''مخدومية'' المواطن من قبل الجهة.
ثالثا: تأسيس إدارات ''خدمة عملاء'' في كل جهة حكومية مع تزويدها بطاقم مؤهل معرفيا وسلوكيا للتعامل مع العملاء، مع ملاحظة أن:
ــــ الكثير من الجهات الحكومية تقدم خدماتها من خلال موظفين غير مؤهلين أصلا للتعامل مع العملاء، وهم في الأساس موظفو إدارات خلفية جيء بهم فجأة لمواجهة الجمهور.
ــــ خدمات تلك الجهات الحكومية مشتتة ومتناثرة في عدة إدارات بدلا من أن تتوحد في إدارة واحدة.
رابعا: تدريب الموظفين وتأهيلهم على مهارات خدمة العملاء، إضافة إلى اختيار الموظفين الملائمين. فليس من المعقول أن تحضر موظف أرشيف ـــ مع احترامي وتقديري له ــــ وتطلب منه أن يتعامل مع الجمهور!. كما يجب تعويد الموظفين البيروقراطيين التهذيب واللباقة واستخدام مفردات من نوع ''تفضل، لو سمحت، لو تكرمت..''.
خامسا: وضع نظام يؤطر ''خدمة العملاء'' قانونيا في القطاع الحكومي، وتنطلق بموجبه مبادرات للتميز المؤسسي/ الحكومي وخدمة العملاء، مع ضرورة تقديم حوافز للموظفين الذين يتعاملون مع الجمهور، كصرف بدل خدمة عملاء، مع التأكيد على أحقية المواطنين في تقديم شكاوى ـــ حقيقية لا كيدية ـــ ضد الموظفين الذي يعطلون المعاملات ويسيئون التعامل مع العملاء، على أن تحدد عقوبات لهم تبدأ من الحرمان من الترقية وتصل إلى حد الفصل من الخدمة.
سادسا: تفعيل وإلزام جميع الجهات الحكومية بالمشاركة في برنامج الحكومة الإلكترونية (يسِّر). فالخدمات الإلكترونية توفر الجهد والوقت على المواطنين والمواطنات. فحاليا بعض الجهات الحكومية لم تشترك في البرنامج و''البعض'' الآخر الذي شارك يعاني ضعفا في الخدمات وكثرة تعطل أنظمته (السستم داون!)، وقلة تميزت في خدماتها الإلكترونية.
سابعا: بحث إمكانية تأسيس شركة تملكها الحكومة السعودية عن طريق صندوق الاستثمارات العامة الذي نجح في تأسيس عدة شركات، منها شركة السوق المالية (تداول) وشركة العلم لأمن المعلومات. حيث تحصل هذه الشركة على ''امتياز'' تقديم الخدمات من الجهات الحكومية كافة. فمثلا، لو افترضنا أنك تريد إنجاز خدمات موزعة لدى ست جهات حكومية:
ـــــ تجديد بطاقة الهوية الوطنية (الأحوال المدنية).
ـــــ تجديد جواز السفر (الجوازات).
ـــــ تجديد رخصة السواقة (المرور).
ـــــ إصدار وكالة عامة (كتابة العدل).
ـــــ إصدار فسح بناء (البلدية).
ـــــ إصدار تأشيرة سائق أو خادمة (الاستقدام).
فإنك ستقضي أياما تتردد على هذه الجهات المتباعدة جغرافيا، والمتفاوتة في الشروط والطلبات. بل ستضطر إلى الاستئذان من عملك مرارا إلى درجة يستاء منك مديرك وزملائك، وأحيانا تقدم إجازة لإنهاء معاملاتك الخاصة. لكن تخيل أنك تذهب إلى أقرب ''مركز خدمات حكومية موحدة''، وتتقدم بطلب ست خدمات (أو أكثر) تتوافر تحت سقف واحد. في غضون نصف ساعة (بمعدل خمس دقائق إنجاز لكل خدمة) ستكون قد أنجزت كل خدماتك الحكومية، وتخرج وأنت في أقصى درجات النشوة والرضا!
هذه الشركة المقترحة تقوم بإنشاء ''مراكز موحدة للخدمات الحكومية'' في المدن والمحافظات، يعمل بها شباب وفتيات سعوديون مؤهلون ومدربون على مهارات خدمة العملاء. وتعمل هذه المراكز وفق آلية ''استقبال ـــ تنفيذ ـــ تسليم''، أي أن المركز يستقبل طلب الخدمة من المواطن وينفذ الطلب ويقدم له الخدمة برسم رمزي دون الرجوع للجهة الحكومية (الجهة الأصلية المنفذة للخدمة، كالأحوال المدنية أو الجوازات) إلا عن طريق أنظمة المعلومات. لكن قبل الإقدام على خطوة تأسيس ''الشركة'' لا بد من استيفاء جملة من المتطلبات منها: التحقق من تكامل أنظمة المعلومات الحكومية وترابطها، وتوفير ''ملف إلكتروني'' لكل مواطن ومواطنة تسجل فيه كل العمليات والخدمات التي يتلقاها من الحكومة، مع استخدام تقنيات حيوية (قزحية العين وبصمة اليد) للتحقق من هويات العملاء.
.. هل يمكن لهذه الأفكار أو بعضها أن يتحقق يوما ما؟
دعونا نتخيل..
دعونا نحلم..