الهيئة السعودية للتخصصات الصحية بين السنوات العجاف وشكاوى الحاضر (1 من 2)
بعد مرور 19 عاما من الكفاح والمعاناة والكر والفر لتثبيت الأصول في الأرض وتأسيس أكثر هيئة سعودية تهتم بتطوير الموارد البشرية المتخصصة أصبحت هناك مطالب بالتقييم وتقدير مستوى تقديم الخدمات ليكون المسار منهجيا علميا كما بدأت الهيئة على أساسه. منذ عام 1413هـ أي سنة التأسيس تعاقب على أمانة الهيئة السعودية للتخصصات الصحية رموز لم تهدأ ولم تكل عملا لتخدم الجيوش الصحية الحالية والقادمة في كل موقع بالمملكة بكل اجتهاد. واقع الهيئة الآن (كحال باقي المؤسسات المدنية) ينتظر التقييم الشامل ليس لجعل منسوبيها في دوائر اتهام، وبالتالي يصرف هذا ويعين ذاك ويستغنى عن هذه. ولكن هو منهج ومنطق علمي معروف يطبق لأي منشأة أو تنظيم يراد منه كشف ما لم يتم رؤيته عن قرب. أسباب هذا التقييم من وجهة نظري خمسة هي: (1) تحوير ارتكاز البرامج التدريبية على البعد التعليمي لتشمل المهنية الأخلاقية والثقافية، حيث إن في كل عشر سنوات نلاحظ فرقا في قابلية الخريجين لأخذ أدوارهم في مواقع العمل كما ينبغي. (2) تحديد وتأطير ما الذي ينقص هذا الإجراء وما المفترض أن يكون عليه. (3) إقناع المجتمع والمسؤولين (بكل شفافية) بأن القائم من عمل وخطط استراتيجية تنظر للمستقبل هي تحمي وتنظم وتطور الخدمات الصحية وبالأدلة القاطعة. (4) وضع يد المسؤول على أضعف الحلقات في المنظومة فيتعامل معها بكل حزم وجدية سواء كانت موارد بشرية أو موارد مالية أو إجراءات تنظيمية وإدارية لتكون الاستفادة منها في قمتها. (5) تحسين وتحديث قواعد البيانات والربط الشبكي بين جميع جهات القطاع وبعض الجهات ذات العلاقة مما يعزز العلاقات ويضبط الإجراءات ويطور مسار الأبحاث والدراسات بشكل إيجابي.
لقد مرت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية بسنوات عجاف تلتها سنوات حصاد. الآن هي سنوات زراعة وقطف ثمار ولكن لا يشير الموسم إلى توافر استراتيجية بعيدة المدة محسوب فيها الكم والكيف بكل ما تحمله الكلمتان من معان ومدلولات. ما زالت المرأة كممارس صحي من فئات متعددة من خارج نطاق الفروع لا تستطيع مراجعة الهيئة في بعض المعاملات التي تتطلب حضورها وبالتالي لديها شكوى. بعض الخريجين يقدمون الاختبار ثلاث مرات ولا ينجحون وإذا ما أريد معرفة السبب فلا يستطيعون وأصبحوا متحسسين مما دفعوا لقاء الاختبارات، وبالتالي لديهم أيضا شكوى. هناك متطلبات تستحدث في بعض الإجراءات لا تعرف إلا بعد المراجعة الشخصية وقد تتطلب توفير وثائق أو الاستعداد بتكاليف مالية أو خلافه وبالتالي مازال الموقع والاتصال غير كافيين لردم الفجوة، وبذلك فالبعض لديه شكوى. لا يتوافر نظام واضح وشامل يواجه مشكلة التزوير للشهادات الورقية والإلكترونية مع استمرار الاختراقات من بعض أصحاب المؤسسات التي ما زالت تقدم الخدمة من دون تأثر بنظم الردع. هذا يجعلنا نحرص على ألا تنتشر العدوى. ما زال الكثير من المتخصصين وذوي العلاقة في المجال يرون أن وضع الهيئة هيكليا ووظيفيا يحتاج لبعد أكبر في التصور لتكون مؤثرة ويحسب لها كل الحساب مهنيا ونظاميا وبالطبع تدريبا عمليا. لذلك فهؤلاء لديهم رؤية. وجهة النظر هنا تنصب حول القيام بعملية تقييم شاملة قد تؤدي إلى رسم خريطة لهوية وطريق تكون بها الخدمات الصحية أفضل، وتكون الهيئة في ثوب جميل أكمل.
حيث إنني أتوقع أن ''التقييم'' يمكن أن يبين مظاهر القوة ومواطن الضعف فقد تكون هناك حاجة إلى ''التقويم'' في بعض النواحي، لأهمية اقتران التقويم بالتقييم. ريثما يتم ذلك، هذا تصور يعكس ما يتوقعه الكثير (في المجال) أن يكون من ضمن الحلول الجذرية لمشاكل عدة، ونظرة بعيدة المدى لدور الهيئة في المستقبل. أولا: يتم فصل الهيئة إلى هيئتين، هيئة للتدريب والاختصاص لمنح شهادات... إلخ، وأخرى للتسجيل والتصنيف الصحي. يعين لكل هيئة أمين عام ويتبعان في الهيكل رئيسا أعلى بمرتبة وزير (الصحة حاليا أقرب). في هذا المقترح الأول مع أننا نرى أن تعارض المصالح بين التدريب والتصنيف واضح إلا أن التشريع والتنفيذ كانا تحت قبة واحدة، وهما أمران إذا ما اجتمعا أصابا الجسد بالوهن وأضعفا نتائجه وكانا سببا في التآكل. إن العالم اليوم يتحدث بلغات عدة وأصبحت سمة الإدارة الفاعلة الخروج من التقليدية للحصول على إنتاج أفضل وأكبر وفي وقت أسرع وبأقل التكاليف. لذلك فالفصل يحتاج لشجاعة وإقدام. ثانياً: فرض الثقة في نظام التعليم الجامعي السعودي (في حالنا هذه في المجال الصحي). يمكن مثلا وقف اختبار خريجي جامعات المملكة بعد التخرج وقصر ذلك على خريجي الجامعات من خارج المملكة. هذا لأنهم سيزاولون المهنة داخل المملكة التي لم يعاصروا وضعها إذا لم يكونوا سعوديين، أو لم يتدربوا فيها مع أنهم سعوديون. وهذا الفحص يخولهم ممارسة المهنة داخل المملكة وقد يكون على مستوى الخليج والدول العربية إذا ما اعتمدت الهيئة كإحدى أفضل الهيئات المتخصصة في المنطقة. وللحديث تتمة.