أسعار العقار ومعادلة العرض والطلب والسيولة
منذ نهايات عام 2009 زاد تذمر الطبقة المتوسطة وما دونها من ارتفاع أسعار العقارات لما ترتب عليه من ضياع لحلم الكثير في تملك مسكن العمر، ومعاناة الكثير من اقتطاع نسبة كبيرة من دخله لإيجار المسكن الذي يقطنه، وتعالت الأصوات منادية بضرورة تدخل الدولة للتعاطي مع هذه المشكلة في إطار تعاطيها مع التضخم ومعالجة أسبابه التي حددت في سببين رئيسين أحدهما خارجي وهو الارتفاع في أسعار المواد الغذائية المستوردة من المناطق غير الدولارية، والآخر محلي وهو الارتفاع الكبير في أسعار العقارات وإيجاراتها سواء كانت أبنية أو أراضي.
تدخلت الدولة ـــ رعاها الله ـــ للحد من استمرارية الارتفاعات ومعالجة آثارها من خلال وزارة الإسكان التي أنيط بها تطوير مساكن وتوزيعها على المواطنين، ومن خلال زيادة قيمة القرض العقاري ودعم صندوق التنمية العقاري بمليارات إضافية لتلبية الطلب على القروض العقارية، ومن خلال زيادة المعروض من الأراضي بالبت في قضايا الأراضي المعلقة (مخطط قيران نموذجا)، كما وجهت أمانات المدن لاستكمال البنى التحتية لأراضي المنح والتي ذهبت لخزائن كبار تجار العقارات بأسعار بخسة، أيضا أطلق أكثر من مسؤول حكومي تصريحات دون تبريرها تقول إن أسعار القطاع العقاري إلى انخفاض أو تدهور وهو ما لم يكن على أرض الواقع، بل إن الواقع خالف كل هذه الحلول، حيث استمرت الارتفاعات ووصلت أسعار الأراضي إلى أرقام خيالية في فترة وجيزة وفي مناطق السعودية كافة.
والسؤال المهم: لماذا تستمر الارتفاعات والتي وصلت أراضي تبعد عشرات الكيلومترات من النطاقات العمرانية للمدن؟ وهل ستستمر هذه الارتفاعات وإلى متى؟ أم أنها ستستقر أو تشهد انخفاضات منطقية؟ أم أن الأسعار ستشهد انهيارا مفاجئا كما هو حال أسعار الأسهم عام 2006؟ كثرت الإجابات عن هذه الأسئلة منها ما هو منطقي عميق ومنها منطقي سطحي وهي في مجملها إجابات جيدة، ومنها ما هو عاطفي يراعي مشاعر الناس ويوافق أمنيات المُحلِل، ورغبات الحكومة، وأفراد المجتمع الذين لا يملكون أراضي أو مباني من ناحية أخرى، وهنا أشير إلى قضية مهمة وهي رغبة شريحة كبيرة من المواطنين يملكون العقارات ولا يرغبون في هبوط أسعار عقاراتهم أو انهيارها لأنها آخر ما يملكون من حطام هذه الدنيا بعد أن خرجوا بخفي حنين من سوق الأسهم.
أعتقد للوصول إلى إجابة منطقية للأسئلة أعلاه علينا أن نعرف المتغيرات التي تؤثر في أسعار العقارات في بلادنا وتداخلاتها والوزن النوعي لكل متغير في كل ظرف، وهي كما أعلم العرض والطلب وحجم السيولة المرتبطة بأسعار النفط وبالتالي حجم الإيرادات النفطية، حجم القنوات الاستثمارية البديلة وواعديتها مثل سوق الأوراق المالية، والأنظمة والتشريعات والإجراءات ذات الصلة بالقطاع العقاري مثل أنظمة الزكاة، وأنظمة مكافحة الاحتكار، وأنظمة التملك للمواطن والخليجي والأجنبي، والأنظمة المتعلقة بالإيجارات سقفا وتحصيلا وتنفيذا وإجراءات وتكلفة تسجيل الملكية ونقلها، المحفزات الحكومية للاستثمار في تطوير المباني على حساب المضاربة بالأراضي مثل توفير الأراضي المناسبة كما وسعرا، وتوفير خدمات البنى التحتية والعلوية من ماء وكهرباء وصرف صحي وطرق وإنارة وغيرها، حجم التضخم وأسعار السلع الأخرى مقارنة بأسعار العقارات (الكثير من السيارات أصبحت بسعر قطعة أرض أو وحدة سكنية)، أسعار العقارات في الدول المجاورة، وأخيرا المتغير السياسي حيث قوة تأثير القوى الاجتماعية ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي معا وهي قوى مؤثرة جدا في مجال إصدار التشريعات والأنظمة وتطبيقها.
ولنأخذ المتغيرات حسب الوزن واتجاه كل متغير، وبكل تأكيد أسعار النفط المتغير الأكثر تأثيرا ووزنا في أسعار العقارات فهو المحرك الرئيس للاقتصاد السعودي إذ إنه يوفر إيرادات كبيرة للبلاد فتنفق الدولة لتتكون الفوائض المالية في أيدي المواطنين الذين لا يجدون قطاعا أكثر براً من القطاع العقاري فيشترون الأراضي والمنتجات العقارية كمخزن ومنمّ لثرواتهم وقصص أثرياء العقارات بجميع مستوياتهم ما زالت تشجع الكثير من المواطنين نحو هذا الاتجاه، وأسعار النفط كما نعلم ستبقى مرتفعة لاعتبارات حل الأزمة المالية الغربية وقد تتطلب طباعة تريليونات الدولارات رفع أسعار النفط إلى أعلى مما هي عليه لاستيعابها في معدلات تضخم مقبولة، وبالتالي فالعقار سيرتفع ولن ينهار من جهة متغير النفط.
وإذا بحثنا في متغير الطلب فإن الطلب على الأراضي عالٍ جدا لأنها أثبتت عبر الزمن أن المخزن القناة الأمثل لحفظ الثروة وتنميتها وهو السبب نفسه الذي يجعل العرض من الأراضي قليلا مقابل وفرتها في جميع مناطق المملكة، وبالتالي فإن الغلبة للطلب على حساب العرض وهو ما يساهم في رفع الأسعار، وبالنسبة للأنظمة والتشريعات والإجراءات بما في ذلك سهولة تسجيل ونقل الملكية تدعم المضاربات والاحتفاظ بالأراضي واحتكارها دون تكلفة، وبالتالي ارتفاع الأسعار وأكاد أجزم أن نظام الضرائب على الأراضي البيضاء لن يرى النور وإنه ولو تم اقراره فلن يطبق بالطريقة التي تحقق فاعليته المنشودة في خفض الأسعار لرفض القوى الاجتماعية ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي السماح بأي حال من الأحوال بتدهور أسعار أملاكها العقارية الكبرى.
بالنسبة لأثر أسعار العقارات في الدول المجاورة أعتقد أنه سيرفع هو الأسعار على اعتبار أن أسعار العقارات في الدول الخليجية أغلى بكثير منها في المملكة الذي جعل مواطنيها ومستثمريها يتوجهون للسوق السعودية في ظل الأنظمة الجديدة التي تمكنهم من شراء جميع أنواع الأراضي وكلنا يعرف نظرية الأواني المستطرقة وأعتقد أنها ستفعل فعلها في سوقنا العقارية، فماذا لو أضفنا إلى ذلك قناعة الكثير من المواطنين بأسعار العقار الحالية بعد أن رأوا أن أسعار كثير من المنتجات مثل السيارات تضاهي أسعار الأراضي بل وتفوقها.
ختاما: إن كل المتغيرات وخصوصا أسعار النفط وحجم الطلب والسيولة وقوة كبار الملاك وواقع الأنظمة والإجراءات وأسعار العقارات في الدول المجاورة تشير إلى استقرار أسعار العقار أو في أسوأ الأحوال انخفاضها، ومن المستبعد جدا أن نتوقع انهيارها.