تريليون دولار حجم استثمارات مشاريع البنية التحتية والإنشاءات في الخليج
توقعت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز أن تدفع الخطط الاستثمارية الكبيرة لتحسين البنية التحتية في دول الخليج إلى تضاعف حجم قطاع تمويل المشاريع، وزيادة استخدام التصنيفات الائتمانية في المنطقة.
وأوضح تقرير "ستاندرد آند بورز" المعنون بـ "الخطط الاستثمارية الكبيرة في بلدان مجلس التعاون الخليجي يتوقع أن تضاعف حجم قطاع تمويل المشاريع وتصنيفات الشركات" - الذي حصلت "الاقتصادية" على نسخة منه، أنه في عامي 2005 و2006، أصدرت "ستاندرد آند بورز" لخدمات التصنيف عدة تصنيفات للشركات وتمويل المشاريع لبعض الشركات في دول الخليج. وقال التقرير إنه أتضح من تلك التصنيفات أن هناك ميلاً لزيادة استخدام التصنيفات الائتمانية في المنطقة، بما فيها تلك المتعلقة بالتمويلات الإسلامية، مبينة أن استخدام تصنيفات الوكالة يتزايد كأداة لدعم تنويع قاعدة المستثمرين، جذب الرساميل من خارج دول مجلس التعاون، وتحسين الشفافية.
ازدهار قطاع الإنشاءات
وأفاد التقرير أن الهيمنة القوية لقطاعي النفط والبتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي، ومتطلبات تطوير البنية التحتية في المجال المدني وفي مجال النقل، والخطط الكبيرة لتطوير العقارات تدفع باتجاه طفرة في أسواق الإنشاءات.
وأبان أنه وفقاً لمجلة "ميديل إيست إبكونوميك دايجيست"، فإن قيمة العقود التي تمت ترسيتها، أو المخطط لها، أو التي أعلنت مناقصاتها أو التي قيد الدرس تزيد على تريليون دولار، وتزداد هذه القيمة شهراً عن شهر. ويمكن القول إن قطاع الإنشاءات تجاوز قطاع النفط والغاز التقليدي، حيث يسهم قطاع الإنشاءات بنحو نصف هذا المبلغ (رغم أن معظم مشاريعه في طور التخطيط). ووفقاً للمجلة المذكورة، تشكل المشاريع قيد الإنشاء الفعلي 15 في المائة فقط من هذا الرقم. وأن حجم الحاجة لهذه المشاريع كبير لدرجة أن تصاعد قيمة الإنشاءات وسوق الإنشاءات المثقلة هما جزء من النشاط العملي اليومي.
من جانبه، أكد روبرت ريتشارد المحلل الائتماني الثاني في "ستاندرد آند بورز" الذي أسهم في إعداد التقرير، أن شركات الأسمنت السعودية ستكون المستفيدة الأكبر من الطفرة العمرانية التي تشهدها البلاد.
وقال لـ "الاقتصادية" هاتفيا إن الشركات المحلية تملك الأفضلية التنافسية ولا سيما من حيث التكلفة الإنتاجية مقارنه بالشركات من الخارج.
وعندما ذكرت "الاقتصادية" البيانات التي حصلت عليها من رابطة المقاولين الدوليين الكوريين التي تشير فيها إلى أن إجمالي طلبات الإعمار والإنشاء التي حصلت عليها الشركات الكورية من الشرق الأوسط سيبلغ في نهاية السنة الحالية 15 مليار دولار، كونهم المستفيدين الرئيسيين الأجانب من هذه الطفرة الإعمارية، أجاب روبرت من مقر إقامته في فرانكفورت الألمانية "لقد عملت في السنوات الماضية في كوريا وليس بالأمر المفاجئ أن يفوزوا بتلك الشريحة الضخمة من الطلبات نظرا لخبرتهم الواسعة في هذا المجال بل هم في نظري يعدون بالخيار المنطقي".
وأدى هذا إلى وجود قلق حول إدارة تكاليف هذه المشاريع، وحتى إلى صعوبات في العثور على مقاولين جاهزين لتنفيذها.
وعلى نحو مشابه، فإن توسعة البني التحتية للمطارات، المرافق الترفيهية، الإسكان، المياه، والكهرباء هي التي تدفع الاستثمارات الضخمة التي يجري تنفيذها حالياً. وتدخل أموال كثيرة إلى المنطقة أيضاً عبر الهيئات الأجنبية كشركات النفط العالمية الكبرى التي تحرص على الانخراط في التطورات الكثيرة الجارية في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تسعى إلى بدائل احتياطية عن الاحتياطيات الهائلة لهذه البلدان من الهيدروكاربونات.
الشركات الخليجية تتطلع إلى السيطرة التشغيلية خارج المنطقة
في الماضي، كان يستثمر الكثير من رأسمال دول الخليج في الخارج عبر استثمارات سلبية، لكن الشركات التي تتخذ من المنطقة مقراً لها تتجه أنظارها الآن إلى الخارج بشكل متزايد، وتتطلع إلى الاستثمارات التي تمكنها من السيطرة التشغيلية. ويعتبر الاستحواذ الكبير لشركة موانئ دبي العالمية في عام 2006 على قسم الموانئ التابعة لشركة p&o، وكذلك استحواذ الشركة السعودية للصناعات الأساسية، سابك، على مشاريع البتروكيماويات التابعة لشركة DSM N.V. الملكية في عام 2002 مثالين على الشركات المحلية القوية التي تفرد أجنحتها خارج المنطقة.
ازدهار تمويل المشاريع
من المتوقع أن يزداد الدور الذي تلعبه دول مجلس التعاون الخليجي في إمداد الأسواق العالمية بالمنتجات النفطية المكررة في العقد المقبل، في ظل وجود مشاريع للتكرير وتحويل الغاز إلى سائل بقيمة مليارات الدولارات. ويتم تنفيذ الكثير من هذه الاستثمارات على أساس تمويل المشاريع. ففي عام 2005، كانت قطر واحدة من البلدان الرائدة عالمياً في جمع الأموال لتمويل المشاريع، بينما أظهر الشرق الأوسط ككل طفرة قوية في الأموال المقدمة لتمويل المشاريع. وإن الطبيعة التنافسية القوية لهذه المشاريع، والدعم الحكومي المباشر أو غير المباشر لها، والاهتمام الكبير من جانب البنوك العالمية، إضافة إلى السيولة العالمية في سوق البنوك المحلية جعلت تمويل المشاريع في الشرق الأوسط عرضاً جذاباً جداً للجهات الراعية لتلك المشاريع. فالأسعار رخيصة، والاتجاهات تزداد بعداً في تقديم الضمانات والتمويلات البنكية، وهياكل التعاملات تتطور أكثر فأكثر باتجاه هياكل الشركات، الأمر الذي يجعلها أضعف. وأحد العوامل الداعمة المهمة لتمويل المشاريع أيضاً هو نقاء سجل التخلف عن تنفيذ المشاريع في المنطقة، إذ لا يوجد إلا ما ندر من حالات التخلف. وفي حالات التخلف النادرة التي حدثت فعلاً، كان التدارك يتم بنسبة عالية. ويدعي المشاركون في هذه السوق أن معدل التعافي في المشاريع التي يتم تنفيذها في المنطقة بلغ 100 في المائة. ورغم أن "ستاندرد آند بورز" لم تصنف إلا أربعة مشاريع بشكل علني في الشرق الأوسط، نظرنا في كثير من المشاريع الأخرى كجزء من عروض التزامات الدين المضمونة بأصول، ودعمت النتيجة التي توصلنا إليها عموماً وجهات نظرنا المتمثلة بوجود إمكانيات جيدة لمشاريع استثمارية ذات تصنيف عال في المنطقة.
مشاريع المياه والكهرباء
وامتنع المحلل الائتماني في مقابلته الهاتفية مع "الاقتصادية" من اختيار عبارة "نقص التوعية" في مجال الاستثمار في القطاع المائي بالخليج الذي يصفه المحللون بأكثر السلع ربحية على النطاق العالمي، إلا أنه أشار إلى أهمية دخول القطاع الخاص في مشاريع المياه الحكومية أو خصخصتها. وألمح إلى ضرورة دخول الشركات العالمية في قطاع الكهرباء السعودي بهدف زيادة وتحسين الخدمة في هذا القطاع الحيوي.
توسع قطاعات المياه والكهرباء والمطارات
على صعيد البنية التحتية، يؤدي الطلب القوي على الطاقة والمياه إلى الدفع نحو استثمارات كبيرة من جانب السلطات المحلية المسؤولة عن الطاقة والقدرة الإنتاجية لشبكاتها، وكذا الحال بالنسبة لمحطات تحلية المياه. وليس هناك من شك في أن الاستثمارات التوسعية ضرورية لدعم نمو الناتج المحلي الإجمالي. وتسهم الاتفاقيات الداعمة المبرمة مع الهيئات المعنية المملوكة للحكومات في نجاح هذه المشاريع. وحتى الآن، حظيت المنافع في المنطقة بدعم حكومي كبير على صعيد التمويل.
وفي ظل غياب الإصلاحات في سوق المنافع، فإن الاحتمال الأكبر هو أن تبقى في نطاق التمويلات الحكومية التي تحميها. وما دامت الحكومات تحافظ على دعم تعرفات الماء والكهرباء التي تحظى بدعم كبير، وتطبق تحصيل أثمانها من المقيمين، وما دامت الأموال الحكومية اللازمة للمنافع العامة لكي تسدد هذه المشاريع تأتي في الوقت المناسب، فإن النظرة المستقبلية إيجابية حقاً. وإضافة إلى ذلك، هناك استثمارات ضخمة يجري تنفيذها أو يخطط لتنفيذها في الطرقات، خاصة في البنية التحتية للمطارات. وتوحي البنية التحتية للمطارات بأنه يتوقع أن يكون هناك ازدهار في حركة النقل الجوي عن مستوياتها الحالية المتدنية نسبياً. ويثير هذا الأمر مسألة كم من هذه المرافق، والاستثمارات الفعلية من جانب شركات الطيران في الطائرات الجديدة ستدخل في تنافس على الصعيد الإقليمي لإنجاح استثماراتها. ويمكن أن ينطوي جذب العدد الكافي من الركاب لجميع الاستثمارات في الطائرات والمطارات على تحد حين يتعلق الأمر بتعويض تكاليف الاستثمارات.
الشركات تستفيد من أسعار النفط العالية ونمو قطاع البتروكيماويات
في قطاع النفط والغاز، فإن الأسعار العالمية العالية للنفط حالياً تجعل جميع مشاريع النفط والغاز أو الغاز الطبيعي المسال تبدو كمشاريع تولد نقداً هائلاً للجهات الراعية للأسهم. فشركة إكسون موبيل كانت الشركة الأولى التي تتصدر الريادة في المشاريع القطرية المشتركة الخاصة بالغاز الطبيعي المسال. وتبعتها الشركات الأخرى، ومن بينها رويال دوتش شل PLC، شركة توتال S.A، وشركة كونوكوفيليبس، وتسارع تدفق المشاريع في الآونة الأخيرة. وقدمت "شل" التزاماً قوياً لمشروع اللؤلؤة القطرية الخاص بتسييل الغاز، رغم زيادة التكاليف الكبيرة في هذه الصناعة التي تسببت في صعود تكاليف المشروع بشكل كبير. ونشطت شركة أرامكو السعودية أيضاً، واختارت شركة توتال، وشركة كونوكوفيليبس على التوالي لتنفيذ مشروعي إنشاء مصاف لتكرير المنتجات النفطية بقيمة خمسة وستة مليارات دولار في الجبيل وينبع. وأطلقت الكويت كذلك مشروعاً بقيمة ستة مليارات دولار لإنشاء مجمع لتكرير المشتقات النفطية.
ويتوقع أن يستمر قطاع البتروكيماويات في بلدان مجلس التعاون الخليجي في تحقيق نمو من خانتين عشريتين في السنوات المقبلة. ونتيجة لذلك، يتوقع أن ينتج الشرق الأوسط نحو 20 في المائة مما ينتجه العالم من الإيثيلين في عام 2010، و15 في المائة من إنتاج العالم من البتروكيماويات. وتعتبر مادة الإيثيلين اللبنة الأساسية للصناعات الكيماوية، ويتم تصنيعها بشكل رئيسي لإنتاج البلاستيك. وإلى جانب سهولة الحصول على خدمات التصنيع بأسعار منافسة، يتمتع الشرق الأوسط بموقع جغرافي ممتاز يمكنه من خدمة الأسواق الآسيوية التي تنمو بسرعة إلى جانب خدمة الأسواق الأوروبية والأمريكية المترسخة. ونظراً لذلك، يعتبر توافر الأموال اللازمة للاستثمار في صناعة البتروكيماويات التي تتطلب رساميل عالية ميزة للمنطقة مقارنة ببعض البلدان الأخرى التي تتميز برخص الغاز فيها. وعلى أية حال، من المتوقع أن يفوق التوسع الجديد في الطاقة الإنتاجية النمو في الطلب، الأمر الذي سيؤدي إلى وجود خلل بين العرض والطلب اعتباراً من عام 2008 فصاعداً، ويحتمل أن يؤثر هذا بدوره على أسعار البتروكيماويات التي ستكون سلبية في عام 2007. ورغم أن هذا سيخفض هوامش موجودات الإنتاج في المنطقة، إلا أنه سيشكل تهديداً للشركات التي تنتج هذه المواد في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.
الدفع نحو الديون الرأسمالية للأسواق والشفافية سيزيد الحاجة إلى التصنيفات
إن الإفصاح المطلوب عن المعلومات أثناء عملية التصنيف، وأهم منه، المفهوم الموجود لدى المقرضين من أن هذه الشركات تشكل مخاطر ائتمانية رئيسية، جعلا بعض الجهات المقترضة تتجنب عملية التصنيف في الماضي. ورغم ذلك، يتزايد تطلع الشركات التي تطور موجوداتها في قطاعات العقار، الترفيه، والاتصالات وغيرها إلى أسواق المال لتنويع احتياجاتها التمويلية وتقديم نفسها على الصعيد العالمي.
ومن الشركات الأولى التي أجري لها تصنيف علني في المنطقة الشركة الكويتية القابضة للمشاريع، مقرها الكويت ( BBB-/ إيجابي/ A-3). وكان ذلك في شباط (فبراير) 2006. كما صدر تصنيف ائتماني للشركة الوطنية للتبريد المركزي PJSC (تبريد، BBB/ مستقر) في حزيران (يونيو) 2006. ومن المحتمل أن تشكل المجموعات المالية الصناعية الموجة التالية من رواد سوق المال في المنطقة، كما فعلت في آسيا، وغيرها من الأسواق الناشئة، حيث تسيطر العائلات على الشركات منذ عهد طويل على البنوك وغيرها من الشركات.
وإلى جانب الحاجة لتطوير أسواق ثانوية وزيادة مستوى الشفافية، نتوقع أن يزداد تطلع الشركات إلى التصنيف، وإلى أن تصبح رائدة في طرق أبواب أسواق المال الإقليمية والعالمية. ويتزايد أيضاً انخراط "ستاندرد آند بورز" في تصنيف إصدارات الديون وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وتعتبر قدرة "ستاندر آند بورز" ومهارتها في الاستجابة لمتطلبات الأسواق والهيكلة المحلية عوامل رئيسية تعطي الثقة في أنه ستكون هناك زيادة في عدد التصنيفات الائتمانية التي سيتم إصدارها للشركات وللمشاريع في المستقبل القريب.