سلطان الخير .. رحل لكنه خلّد أنبل عمل
سيظل المؤمن يحرص على أن يقابل وجه الله وهو على دين الإسلام، وقد قدم صالح الأعمال وعاش مع أهله ومن حوله في أمان وسلام واحترام. هذا الأمير سلطان بن عبد العزيز - تغمده الله برحمته - بدأ كرئيس للحرس الملكي ثم أميرا للرياض فوزيرا للزراعة والمياه، ثم وزيرا للمواصلات ومن ثم وزيرا للدفاع والطيران والمفتش العام. هذه السيرة الإدارية السياسية الطويلة تكللت بتعيينه نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ثم وليا للعهد ونائبا أول لرئيس مجلس الوزراء، حيث بذل عبر هذه العقود من العمل الجاد وأعمال الخير، ما جعل الجميع يتفق ويطلق عليه لقب ''سلطان الخير''، و''أمير الابتسامة''.
لقد كان من سجاياه أن يبتسم في كل محفل ومناسبة، وهذه من الخصال التي يتميز بها، وهي قدرة على تحمل الهموم ليكون من حوله سعيدا يشارك في البناء والتطوير من دون كلل أو ملل. أما أعماله، فكما أنه قد يصاب بنو البشر في أعمالهم بوهن بعد فترة أو يخبو نورها الساطع فتتعثر بعض الجهود ويقل العطاء. أعمال سلطان الخير كانت مع الزمن تتعاظم وتتوسع، فوصلت القاصي والداني وحل الخير على كل من أصابته.
مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية ما زالت تقدم ما رسمه - رحمه الله - لها لتقدمه إلى ما شاء الله. لقد أولى - رحمه الله - المؤسسة رعايته الكاملة وسخرها لبناء الإنسان المسلم والعربي، فساعد الكثير ليساعدوا أنفسهم. بالتخطيط المنظم كان هناك 14 برنامجا توسعت فيها أفقيا ورأسيا. تقدمت هذه البرامج المنح الدراسية التي استفاد منها 273 طالباً وطالبة. واستقرار الحياة الأسرية التي استفاد منها عديد من الأيتام ببلوغهم سن 18 عاما، حيث فاقوا 1600 يتيم. كما تم دعم المؤسسات العلمية والتعليمية مثل جامعة الملك سعود من خلال الكراسي العلمية المنشأة والاتفاقيات العلمية مع أكبر مراكز العلوم والمعرفة في العالم، وجامعة الأمير محمد بن فهد، وجامعة الأمير فهد بن سلطان، ومركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، ومشروع مركز خالد الفيصل لإعداد القيادات، وتبني إنشاء المكتبة المركزية للكتب الناطقة التابعة للأمانة العامة للتربية الخاصة في وزارة التربية والتعليم. أما ما تعلق بالإسكان الخيري فقد جعله - رحمه الله - برنامجا وطنيا استهدف الفئات محدودة الدخل فتنعم ببيئة عمرانية حضارية مكتملة الخدمات والمرافق. لقد وصل الدعم لتشييد أكثر من 1200 وحدة على مستوى المملكة بكاملها دون تخصيص لمحافظة أو منطقة، مرسخا مفهوم المسؤولية الاجتماعية.
علميا كانت هناك رعاية وتنظيم الملتقيات والمؤتمرات المعنية بالعمل الخيري، مثل ملتقى المسؤولية الاجتماعية والملتقى العلمي الأول لمراكز التوحد في العالم العربي، والمؤتمر الدولي الثالث للإعاقة والتأهيل والملتقى الأول للجمعيات الصحية الخيرية وورشة عمل دولية لتطوير أقسام التربية الخاصة في المملكة. أما فكريا فقد كان الدعم بالمشورة وتعزيز الأدوار لقيام المؤسسات الخيرية الناشئة، وذلك بتحويل الأفكار إلى منشآت خيرية فاعلة لها هياكل مؤسسات جيدة وتعمل بلوائح وبرامج مخطط لها وتسعى إلى تطوير مشاريعها بأسلوب منهجي مثل: الجمعية الخيرية لمرض الزهايمر، ومؤسسة حصة السديري الخيرية، وجمعية مودة الخيرية النسائية لقضايا الطلاق، والجمعية السعودية للمحافظة على التراث، وغيرها. النشء أيضا كان لهم نصيب وهم على مقاعد الدراسة، فحملة ''فينا خير'' التي نظمتها وزارة التربية والتعليم ودعمتها المؤسسة انطلقت في مدينة جدة بمشاركة 40 ألف طالب، بهدف تأصيل مبادئ الحفاظ على النظافة الشخصية وتدريب الطلاب على رمي المخلفات بالطريقة الصحيحة وتنظيف المواقع أينما حلوا بالأسلوب الواعي المسؤول. هذا حفز جميع المناطق تعمل على تكرار التجربة لتأمين وتوفير بيئة مدرسية وتعليمية نظيفة ومحافظة ولتحقيق أهداف رجل البيئة العربي.
لقد تصدت المؤسسة أيضا لكثير من الهجمات الشرسة على الأمتين العربية والإسلامية، فتبنت برامج من أهدافها ترسيخ أصالة اللغة العربية وتوضيح رسالة الإسلام ووصل الفكر المسالم إلى أنحاء العالم للبرهنة على رقي التناول لقضايا الإنسان. هنا كان برنامج سلطان بن عبد العزيز للعلوم العربية والإسلامية في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة، ومركز الملك عبد العزيز لدراسات العلوم العربية والإسلامية في جامعة بولونيا في إيطاليا، ومركز اللغة العربية في جامعة موسكو في روسيا، وبرنامج الأمير سلطان بن عبد العزيز لدعم اللغة العربية في منظمة اليونسكو. هذه الرؤى ترجمت على أرض الواقع وهي الآن ماثلة تنتج فكرا يعكس وجهة نظر العالم العربي والإسلامي في كل مكان.
لن نفي سلطان الخير حقه من ذكر المآثر والرثاء، لكن هي دعوة لجميع المؤرخين والمتخصصين من الأكاديميين والمعلمين للقيام بدراسة هذه الشخصية وما تركه للناس من منفعة، حيث حقق قول الله تعالى ''فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض''. فليرحمك الله يا سلطان رحمة واسعة، ويدخلك فسيح الجنان، ''إنا لله وإنا إليه راجعون''.