التخطيط في مواجهة المخاطر البيئية
نسمع كثيرا عن أهمية التخطيط وبرمجة المشاريع ومواءمة الاحتياجات مع الإمكانات، لكننا لا نرى من كل هذه العبارات التي لا تستند إلى أمر مادي ملموس إلا بريق مصطلحاتها. نسمع كثيرا عن تخطيط المدن السكنية والصناعية، ونجد أن المدن الصناعية بنيت وسط المدن السكنية، نسمع عن برمجة المشاريع المستقبلية لخدمة فئات المجتمع في كل المناطق، لنجد أن أغلبية المشاريع تتجه إلى إصلاح إخفاقات المشاريع السابقة، ونسمع عن مواءمة الاحتياجات للإمكانات ونجد تكرار المشاريع في الأماكن التي تشبعت بما يفوق الإمكانات.
لولا لطف الله لحدثت كارثة في مدينة الدمام، بسبب تسرب غاز ''آي بوكس'' (المسبب لتهيج الجهاز التنفسي)، الذي وقع في أحد مصانع المدينة الصناعية الأولى في الدمام. بغض النظر عن وجود أو عدم وجود وسائل الحماية من مثل هذه التسربات في المدن الصناعية في المملكة، إلا أن الحماية الأساسية تكمن في عزل هذه المدن الصناعية عن المناطق السكنية بمسافات مقبولة، لا أن يبقى السكان متأهبين لمواجهة أخطار ليس لهم يد فيها.
إن ما حدث في الدمام ليس مستغربا، خصوصا إذا عرفنا أن المملكة تعد واحدة من أكثر خمس دول تلوثا حول العالم. في تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية The World Health Organization WHO وتحدثت عنه CNBC تناول قضية تلوث الهواء في أكثر من 90 دولة حول العالم. أشار التقرير إلى أن النهضة الصناعية التي عاشتها المملكة في العقود الماضية مع دول المنطقة أدت إلى ارتفاع نسبة التلوث في البلاد، إضافة إلى التلوث الحاصل من عوادم السيارات، الذي يشكل 50 في المائة من التلوث الهيدروكربوني في الهواء.
لم يغفل التقرير أن المملكة بدأت أخيرا في اتخاذ الإجراءات التصحيحية لحماية البيئة، ومحاربة التلوث. حيث بدأت في إسناد قضية حلول البيئة إلى شركات عالمية متخصصة، إضافة إلى التوجه للبدائل المتاحة مثل الاستفادة من الطاقة الشمسية، حيث بدأ فعلا تنفيذ المشروع الأول لها في جزيرة فرسان والذي سيوفر استخدام نحو 28 ألف برميل من الديزل المستخدم (http://www.cnbc.com/id/44781282/?slide=1).
هذه القضايا تجعل من المُلح أن نفتح موضوع مساهمة القطاعات العامة والخاصة في حماية البيئة، خصوصا في ظل الظواهر البيئية التي تهدد الحياة على وجه الأرض مثل الاحتباس الحراري، وثقب الأوزون وغيرهما. إضافة إلى دور الجهات الرقابية والاستشارية في توجيه الاهتمام لمثل هذه القضايا قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه ـ لا قدر الله. القطاع العام يعتقد أن كون مسببات هذا التلوث غير نابعة منه، لا يعد مسؤولية تجب مجابهتها، وفي المقابل القطاع الخاص عندما يرى عدم اكتراث القطاع العام بمثل هذه القضايا، يغفلها لأنها تعد تكاليف إضافية لا يستفيد منها المنتج مباشرة. لذلك تبقى الأمور معلقة إلى أن يحدث مثل تسرب الدمام حتى تفتح الملفات لزمن، ثم تعود إلى الأدراج مختفية لعقود.
إن حماية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية من أهم مقومات المسؤولية الاجتماعية للشركات SCR التي يجب أن تصاغ لها الأنظمة الصارمة، وأن ينشأ لها الجهاز التنفيذي والرقابي المناسب حماية لحياة البشر والطبيعة من مسببات التدهور البيئي. لذلك يجب أن يؤسس لمبادرات المسؤولية الاجتماعية بشكل جاد وبعيدا عن الأهداف التسويقية الأخرى. إن الحلول تأتي من خلال وجود الأنظمة التي تتعامل مع كل حالات التلوث التي تحيط بحياتنا من كل جهة. إضافة إلى وضع نظام رقابي صارم لا يتهاون في مسألة حياة الناس ومستقبل الأجيال القادمة. إضافة إلى تأسيس المبادرات المحفزة للشركات والأفراد لإبراز المحسنين والوقوف في وجه كل من يعتدي على الموارد الطبيعية .. فمن يكون لهذه المهمة؟