تراجع السوق العقارية قريبا

صدرت دراسة مطلع الأسبوع الماضي من صندوق النقد الدولي بهدف التعرف على المدة الزمنية التي تستغرقها الدورة العقارية بموجتيها من الارتفاع والهبوط. صدرت الدراسة، بعنوان ''كم تستمر دورة أسعار المساكن''، من قبل أحد الباحثين في الصندوق للتعرف على المدة الزمنية لدائرة أسعار العقارات السكنية في 19 دولة من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية منذ عام 1970 إلى عام 2010. شملت الدول عينة الدراسة كلا من أستراليا، بلجيكا، كندا، الدنمارك، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، إيرلندا، إيطاليا، اليابان، كوريا، هولندا، النرويج، نيوزلندا، السويد، إسبانيا، سويسرا، المملكة المتحدة، وأمريكا.
ركزت الدراسة على محاولة التعرف على أمرين رئيسين. الأول معدل فترة الدورة العقارية، والآخر معدل فترة مرحلة صعود الأسعار ونقيضها معدل فترة مرحلة هبوط الأسعار. والمراد بالمدة الزمنية هي الدورة الاقتصادية التي تستمر فيها أسعار العقارات في الارتفاع حتى تصل إلى مستويات لا تستطيع معها الاستمرار في الارتفاع، ما يجبرها على التراجع منهية بهذا التراجع دورة اقتصادية سابقة وممهدة الطريق نحو نشأة دورة اقتصادية جديدة. بمعنى آخر، كم من الأعوام ستستمر أسعار العقارات في الارتفاع؟ ومتى ستتراجع؟ وعندما تتراجع، كم ستلبث حتى تنهض من جديد؟
ما يميز هذه الدراسة عن سابقاتها، أولاً، أن بياناتها شملت موجة ارتفاع الأسعار وانخفاضها التي حدثت أخيرا في دول الاتحاد الأوروبي، وثانياً، أن الدول المشمولة في عينة الدراسة يتباين نموها الاقتصادي بين دول متقدمة ودول شبه متقدمة. تسهم هذه السمات في الوصول إلى منظور مشاهدة أكثر وضوحاً لواقع السوق العقارية السعودية متى ما روعي التباين بين الاقتصاد السعودي والاقتصادات الـ 19 المشمولة في الدراسة.
اعتمدت الدراسة في الوصول إلى نتائجها على تحليل سبعة معدلات ذات علاقة مباشرة بالسوق العقارية. المعدلات السبعة هي: أسعار شراء المساكن، أسعار إيجارات المساكن، معدل الدخل للمواطن، الناتج المحلي الإجمالي، معدل الفائدة، معدل التضخم، ومعدل عمر المواطن العامل من الطبقة الوسطى. أخذت هذه المعدلات في الدول الـ 19 وبشكل ربع سنوي (أربعة فصول ربعية) خلال الفترة من 1970 إلى 2010 (40 سنة) لتشكل في مجملها 160 قيمة لكل معدل. ثم قسّمت هذه المعدلات على بعضها بشكل نسبي للوصول إلى ما يشبه الرسم البياني لتوضيح سلوك وسمات الدورة العقارية في الأسواق الاقتصادية للدول الـ 19. اعتمدت الدراسة في بياناتها على إحصاءات رسمية صادرة من مصلحة الإحصاءات العامة في الدول الـ 19، ومن ثم مقارنتها بتلك الصادرة من صندوق النقد الدولي.
توصلت الدراسة إلى ثلاث نتائج ذات علاقة بالفترة الزمنية للدورة العقارية، وصفات الدورة العقارية، وعلاقة الدورة العقارية بالنمو الاقتصادي. من الأهمية قراءة هذه النتائج بما يمكننا من التعرف بشكل أكثر على السوق العقارية السعودية. النتيجة الأولى أن كل سوق عقارية لا بد أن تمر بدورة عقارية تمتد عبر الدورة الاقتصادية للدولة ذاتها وبشكل متجانس معها. والنتيجة الثانية أن فترة صعود الأسعار خلال الدورة العقارية عادة ما تكون أطول من الناحية الزمنية من نقيضتها فترة هبوط الأسعار. والنتيجة الثالثة أن النمو الاقتصادي السريع يسهم بشكل مباشر في حدوث تذبذبات في الدورة العقارية بين موجات صعود وموجات هبوط على المدى القصير.
تقودنا نتائج الدراسة إلى النظر في واقع السوق العقارية السعودية وما تعاصره من حالة من الترقب بشقيها المتناقضين بين التفاؤل والتشاؤم في عيون البائع والمشتري من وجهة نظر مؤشر الرقم القياسي العام لتكلفة المعيشة الصادر من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات. حيث سجّلت مجموعة ''الترميم والإيجار والوقود والمياه'' ارتفاعا بمقدار 0.6 في المائة خلال أيلول (سبتمبر) الماضي، ما أسهم في ارتفاع المؤشر بنسبة 0.9 في المائة عند مستوى 137.7 نقطة مقابل 136.5 لآب (أغسطس) الذي سبقه. يمثل الارتفاع في المجموعة تراجعا عن معدلها السنوي منذ عام، البالغ 8.2 في المائة. وعندما ننظر نظرة تاريخية لتطورات ذات المجموعة خلال العقد الماضي نجد أنها شهدت ارتفاعات مستمرة زادت حدتها في السنوات الأخيرة. تشير تقارير التضخم ربع السنوية الصادرة من مؤسسة النقد العربي السعودي إلى أن مجموعة ''الترميم والإيجار والوقود والمياه'' شهدت معدل ارتفاع بلغ 0.7 في المائة خلال 2002 - 2007، ومعدل ارتفاع بلغ 3.5 في المائة خلال 2003 - 2008، ومعدل ارتفاع بلغ 6.9 في المائة خلال 2004 - 2009، ومعدل ارتفاع بلغ 9.1 في المائة خلال 2005 - 2010.
عديدة هي الفوائد عندما نقارن معدلات الارتفاع هذه خلال الفترات الزمنية ذاتها بمعدلات مساهمة قطاع الإسكان في الناتج المحلي الإجمالي خلال مراحله الخمس المتسلسلة الماضية منذ 1960 حتى اليوم للتعرف بشكل أكثر وبأسلوب مقارنة بسمات الدورة العقارية السعودية. حيث مر قطاع الإسكان في المملكة بخمس مراحل متسلسلة أسهمت في إيصاله إلى هيئته الحالية من الإنجازات مع وجود مثيلها كما وكيفا من التحديات. الأولى ''مرحلة ما قبل الطفرة'' (1960- 1972)، والثانية ''مرحلة الطفرة'' (1973 -1981)، والثالثة ''مرحلة ما بعد الطفرة'' (1982-1990)، والرابعة ''مرحلة التخطيط التنموي الشامل'' (1991-2005)، والخامسة ''مرحلة إعادة البناء الاقتصادي'' (2006 - 2024) التي نعاصرها اليوم. اتسمت كل مرحلة بسمات اقتصادية وتنموية مختلفة نستطيع أن نتعرف عليها من خلال إعادة قراءة تطورات مساهمة قطاع الإسكان في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بالأسعار الجارية.
يشير تقرير مؤسسة النقد العربي السعودية الأخير (رقم 46) إلى أن قطاع الإسكان في المملكة أسهم فيما معدله قرابة 3.68 في المائة سنويا من الناتج المحلي الإجمالي خلال ''مرحلة ما قبل الطفرة'' (1968- 1972). ثم تضاعفت هذه المساهمة لتصل إلى ما معدله قرابة 7.23 في المائة سنويا من الناتج المحلي الإجمالي خلال ''مرحلة الطفرة'' (1973-1981). ثم استمر معدل النمو في مساهمة قطاع الإسكان خلال ''مرحلة ما بعد الطفرة'' (1982 - 1990)، لكن بوتيرة أقل من المرحلة التي سبقتها لتصل إلى ما معدله قرابة 8.66 في المائة. ثم بدأت مساهمة قطاع الإسكان في الناتج المحلي الإجمالي بالتراجع منذ 1991 حتى اليوم. فوصل معدل المساهمة السنوي هذا إلى قرابة 6.32 في المائة سنوياً خلال ''مرحلة التخطيط التنموي الشامل'' (1991-2005). ثم استمر معدل المساهمة السنوي في التراجع ليصل إلى 4.45 في المائة سنويا خلال الأعوام الأربعة الماضية، التي تشكل بدايات ''مرحلة إعادة البناء الاقتصادي'' (2006-2024).
يقودنا تواضع مساهمة قطاع الإسكان في المملكة على الرغم من النمو السريع في الناتج المحلي الإجمالي وما تزامن مع ذلك من ارتفاعات في مؤشرات السوق العقارية السعودية إلى أن نخلص إلى أن السوق العقارية السعودية تعيش هذه الأيام حالة من الترقب ذات شقين متناقضين. الأول حالة من الترقب باستمرار صعود أسعار العقارات وتسجيلها مستويات عليا جديدة وغير مسبوقة. والثاني حالة من الترقب بانخفاض أسعار العقارات وملامستها مستويات القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة السعودية. حالة من الترقب المتباين نظرته بين عين البائع وعين المشتري ونظرة تفاؤل ونظرة تشاؤم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي