بعد 4 سنوات من الارتفاع .. هل يستقر سعر برميل النفط عند 60 دولارا؟

بعد 4 سنوات من الارتفاع .. هل يستقر سعر برميل النفط عند 60 دولارا؟

بعد مرور أسبوعين بالضبط على المؤتمر العادي لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، بدأ الحديث عن أن أسعار النفط أصبحت منخفضة، وذلك بعد تراجع سعر البرميل إلى أقل من 60 دولارا، وهو أدنى معدل في غضون ستة أشهر، الأمر الذي أثار ردود أفعال من بعض الوزراء في الدول الأعضاء في المنظمة. وبدأت نبرة ضرورة عمل شيء لوقف هذا التدهور، خاصة أن العوامل الدافعة لاستمرار تراجع الأسعار أكبر من تلك التي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاعها مرة أخرى.
وزير النفط النيجيري أدموند داوكورو الذي يتولى رئاسة المنظمة هذه الدورة، كان أول من أطلق صيحة التحذير بوصفه المعدل الحالي للأسعار أنه منخفض للغاية، الأمر الذي يضر بالاستثمار، مضيفا أنه يتوقع زيادة المعروض على الطلب بواقع 1.8 مليون برميل يوميا العام المقبل، وأن أثر المخزونات الأمريكية المرتفع بدأ في الظهور، خاصة وهناك تقديرات أن تلك المخزونات يتم بناؤها بواقع 700 ألف برميل يوميا، وهي بصورة عامة تتجاوز معدل خمس سنوات.
ومع أن كلا من وزيري النفط في الكويت وليبيا عبّرا في تصريحات تالية عن عدم انزعاجهما من التراجع الأخير في الأسعار، وأن وزير النفط السعودي المهندس علي النعيمي أوضح على هامش ندوة لـ "أوبك" في فيينا عقب المؤتمر مباشرة عن رضاه عن معدلات الأسعار وقتها التي تجاوزت 60 دولارا للبرميل، رغم أنه لم يحدد رقما بعينه، إلا أن البيان الختامي للمنظمة عقب اجتماعها العادي في الحادي عشر من الشهر الماضي حمل إشارات تعبّر عن قلق المنظمة تجاه وضع الأسعار، وهو ما تمثل في الحديث عن استفادة المستهلكين من الإنتاج العالي للدول الأعضاء في المنظمة لبناء المخزونات. وعن نمو في الإمدادات من المنتجين خارج المنظمة يتوقع أن تبلغ العام المقبل أعلى مستوى لها منذ عام 1984، الأمر الذي سيسهم في مفاقمة الاختلال الموجود في جانبي العرض والطلب.
وأوضح البيان أن المنظمة ستسعى إلى تحقيق الاستقرار في السوق عبر استعادة التوازن بين العرض والطلب، والعمل على بروز معدل سعري يكون ملائما للمنتج والمستهلك ومشجعا في الوقت ذاته للنمو الاقتصادي خاصة في الدول النامية. ودعا البيان إلى تعاون مع المنتجين من خارج المنظمة، وهو ما يعيد إلى الأذهان فترات التدهور السعري التي تصاعد فيها حديث التعاون هذا وضرورة قيام المنتجين الآخرين بتحمل مسؤولياتهم في الدفاع عن معدل سعري يستفيد منه الجميع.
التراجع في سعر البرميل إلى ما فوق 60 دولارا للبرميل بقليل ينهي في واقع الأمر أربع سنوات متصلة من الارتفاع في الأسعار. والأسباب تتفاوت، لكن هناك شعورا عاما بتراجع في الطلب قدرته مؤسسة "سوسيته جنرال" الفرنسية، أنه في حدود المليون برميل يوميا، كما أن الإمدادات من خارج "أوبك" زادت بنحو مليون أخرى في الربع الحالي.
وهناك أيضا التدفق في الاستثمارات على قطاع التكرير الذي شهد اختناقات حادة أسهمت بدورها في سحب أسعار النفط الخام إلى أعلى. ولهذا يتوقع أن ترتفع الطاقة التكريرية بنحو خمسة ملايين برميل في غضون خمس سنوات. ورغم أن كلا من الاقتصادين الأمريكي والصيني لا يزالان يتمتعان بنسب نمو مرتفعة تبلغ 3 في المائة بالنسبة للأول و9 في المائة للثاني، إلا المؤشرات بالنسبة لهما تتجه إلى أسفل أكثر من اتجاهها إلى أعلى.
هذه العوامل مجتمعة قد تؤدي إلى أن يتراجع سعر البرميل إلى 50 دولارا أو حتى 40 دولارا في غضون السنوات القليلة المقبلة، إن لم يكن قبل ذلك، كما يقول دان ليبي من مؤسسة "بورتال وورلدوايد" الاستشارية، التي توجد مكاتبها في هيوستن. لكنه يضيف أنه وبالقدر نفسه فإن الأسعار قد ترتفع مجددا إلى ما يزيد على 70 دولارا للبرميل حال حدوث أي انقطاع مفاجئ في الإمدادات بطريقة تشكل صدمة للسوق.
ومن ناحية أخرى قالت شركة "ليبرتي التجارية" إنها قامت بحذف خمسة دولارات من سعر البرميل بسبب هدوء العوامل الجيوسياسية، وهي على استعداد لسحب خمسة دولارات أخرى متى ما استقرت الأوضاع السياسية والأمنية في الدول المنتجة بصورة عامة.
الدكتور شكري غانم المسؤول عن قطاع النفط الليبي، أبلغ المؤتمر السنوي للنفط والغاز في لندن أن هناك عدم توازن في السوق، مشيرا بالتحديد إلى احتياجات قطاع النقل الكبيرة من المنتجات الخفيفة التي لا يمكن تلبيتها كلها. ومع أنه أشار إلى أن سعر 20 أو 30 دولارا للبرميل يبدو شيئا من الماضي، إلا أن استمرار عدم التوازن هذا سيجعل من العودة إلى سعر 40 إلى 50 دولارا للبرميل غير عملية كذلك، ولهذا فهو يخلص إلى أن سعر 60 دولارا للبرميل يبدو أنه الأكثر ملائمة متى ما استمرت الظروف الحالية.
وفي المؤتمر ذاته، أشار سداد الحسيني نائب رئيس شركة أرامكو السابق لشؤون الإنتاج، إلى أنه رغم الكثير من الخطط لزيادة الطاقة الإنتاجية إلا أن بعضها قد لا يتحقق لأسباب سياسية كما هو الحال مع إيران مثلا. وبسبب ضغوط التراجع الطبيعي للمخزونات، وهو في حدود 1.1 مليون إلى 1.6 مليون برميل يوميا، فإن هذا يتطلب نموا في حدود 2.7 في المائة للطاقة الإنتاجية، وذلك حتى يصبح العرض متسقا مع الطلب، ويخلص إلى أن الأسعار قد تتراجع، لكن ليس إلى 20 دولارا للبرميل، فليست هناك طاقة إضافية بكميات مؤثرة ستصل إلى الأسواق.
في تقريرها الدوري للشهر الماضي، عدّلت "أوبك" تقديراتها للطلب إلى أسفل وحذفت 100 ألف برميل من معدل الطلب المتوقع لهذا العام مقارنة بتقديراتها لشهر آب (أغسطس) الماضي ليصبح في حدود 1.2 مليون برميل يوميا.
ويشير التقرير إلى مؤشرات الضعف التي بدأت تنتاب الاقتصاد الأمريكي مثلا، وأكبر دلالة على ذلك أن الطلب على البنزين حقق خلال فصل الصيف نموا متواضعا في حدود 0.7 في المائة، وهو ما يقل عن المتوسط العادي البالغ 1.6 في المائة، علما أن فصل الصيف يعتبر موسما يزيد فيه الاستهلاك عادة بسبب الزيادة في عمليات قيادة السيارات، وأدى هذا إلى مراجعة لعمليات الطلب خلال الربعين الثاني والثالث من هذا العام.
ويضيف التقرير أن المخزونات الأمريكية من النفط بلغت 1.066.7 مليون برميل في آب (أغسطس)، وهي بذلك تزيد 4.3 في المائة عما كانت قبل عام وبنسبة 7.2 في المائة من متوسط خمس سنوات.
ويضيف التقرير أن الدول النامية التي تشكل 92 في المائة من حجم النمو على الطلب يتوقع لها أن تشهد زيادة في حدود 600 ألف برميل جديدة هذا العام، كما أن الاقتصاد الصيني من ناحيته سيستمر في النمو وقد يحقق نسبة تبلغ 8.3 في المائة بنهاية العام. وبلغت واردات الصين النفطية في الفترة من كانون الثاني (يناير) إلى تموز (يوليو) الماضيين في المتوسط 2.9 مليون برميل يوميا، بزيادة 13 في المائة عما كانت عليه قبل عام.
النمو العالمي على الطلب سيكون في حدود 1.3 مليون برميل أو ما يعادل 1.5 في المائة، على أن المنتجين من خارج "أوبك" سيوفرون كميات متزايدة من الإمدادات تلبية لاحتياجات المستهلكين. ووفقا للتقرير فإن حجم هذه الإمدادات سيكون في حدود 51.1 مليون برميل يوميا، أي بزيادة 1.1 مليون عن الإمدادات التي وفرها المنتجون من خارج المنظمة العام الماضي.
وتشير أرقام الإمدادات في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) الماضيين، إلى أن المنتجين من خارج "أوبك" قاموا بضخ 50.9 مليون برميل يوميا و50.8 مليون على التوالي. ويتوقع أن تبلغ الإمدادات العام المقبل 53 مليونا، بزيادة 1.8 مليون برميل، ولو أن وضع الطلب سيظل كما هو، الأمر الذي سيفرض على "أوبك" التحرك في مواجهة هذا العرض الزائد على الطلب الذي ستكون له تنعكاساته على وضع الأسعار.
وبالنسبة لـ "أوبك" فإن إنتاجها في آب (أغسطس) بلغ 29.8 مليون برميل بزيادة 100 ألف عن إنتاج تموز (يوليو)، لكن في تقرير لمؤسسة "بترولوجستكس"، فإنه تقدر أن إنتاج المنظمة تراجع الشهر الماضي بنحو 400 ألف برميل يوميا. وتقول المؤسسة التي تتابع حركة الناقلات إن إنتاج المنظمة بلغ 30.1 مليون الشهر الماضي متراجعا عن 30.5 مليون قبل ذلك بشهر، لكن رغم ذلك لا تزال هذه الكمية أعلى من الطلب المتوقع. ويعود هذا التراجع إلى التخفيض في صادرات السعودية وإيران إلى حد كبير.

الأكثر قراءة