رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


متلازمة داون: الجهود المبذولة والميزانيات المخصصة لا تكفي!

<a href="mailto: [email protected]"> [email protected]</a>

في إحدى الزوايا الصحية الاجتماعية الاقتصادية في مجتمعنا السعودي, تقبع قضية متلازمة داون التي لم تجد للآن سبيلا لإبراز أهميتها وتوحيد التعامل معها بتنسيق وتنظيم على مستوى عالي المسؤولية. كل ما كتب عنها, إلا فيما ندر, كان أخبارا لا تناقش المشكلة من ناحية طبية أو اجتماعية أو اقتصادية وتأثيرها على المجتمع. والحقيقة أن الجهود المبذولة والميزانيات المخصصة لهذه المتلازمة تدل على أن هناك حلقة مفقودة جعلت الأمور تبدو كأنها ضبابية إذا ما نظرنا للقضية من زاوية جهود الوزارات والقطاع الخاص. المشكلة تبدأ من العيادات والمستشفيات في عدم التبليغ والرفع للجهات المسؤولة عن أن هناك حالة حمل لجنين قد يكون من ذوي متلازمة داون. ثم بعد ذلك يأتي دور المستشفى الذي لا يقوم بالتبليغ عن ولادة حالة فيه ويرفق بتقرير الولادة تفاصيل الحالة لاتخاذ التدابير اللازمة لها فيما بعد. ثم بعد ذلك لا تجد معظم الحالات عناية فائقة أو خاصة بعد الولادة إلى أن يبلغ الطفل عمرا متقدما قد يصل أحيانا إلى تسع سنوات, للتفاوت الكبير في إمكانيات الجمعيات الخيرية أو المراكز المتخصصة في العناية والمتابعة. ويزيد الألم أن هناك قوائم انتظار للمعونات الحكومية جعل الأسر تنتظر دعم أهل الخير لتغطية التكاليف والجميع يعرف مشكلة المخصصات غير الثابتة. إن إحصائيات الحالات وتفاصيلها الصحية ما زالت قيد التوقعات والاعتقاد فكل ما نشر يحصر الحالات بين 15 و20 ألف حالة تقريبا, بازدياد سنوي بين 800 إلى ألف حالة سنويا. هذه الفروقات في التوقعات غير مقبولة لأنها كبيرة وتدل على وجود خلل ما في التسجيل أو الرصد لأن الولادة كنت لإنسان. من ناحية أخرى فتسجيل الحالات في المراكز والجمعيات والمؤسسات الخيرية غير مربوط آليا مع مديريات وزارة الشؤون الاجتماعية غير المربوطة مع مديريات الشؤون الصحية, وبالتالي لا وجود للمعلومات الممكن بناء خطة وطنية كاملة عليها. أما من ناحية اقتصادية فلا توجد دراسة منشورة أو تقرير يحدد متوسط تكاليف الحالة الواحدة, ولكن قدرت بين عشرة آلاف إلى 30 ألف ريال سنويا, إضافة إلى التكاليف المنزلية من إيجاد خادمة أو ممرضة متلازمة مع المولود, والفحوصات الطبية المستمرة بشكل دوري مثل الفحوصات المسحية والكروموزومية التي تختلف في تكاليفها من ألف ريال إلى خمسة آلاف ريال للفحص الواحد, وفي الغالب لا تغطي شركات التأمين تكاليف هذه التحاليل أو تتم تغطية 70 في المائة من تكلفتها فقط. ثم ما يتبع ذلك من احتياج للتدخل الجراحي في كثير من الأحيان والمكلف لمبالغ طائلة لا يستطيع الكثير تحملها, حتى أن بعض الحالات تحتاج إلى تسع عمليات للقلب في السنة أو السنتين الأولى من العمر. ثم تأتي مشكلة التعليم والتأهيل من سن السابعة وحتى المراحل المتقدمة من العمر عندما تزداد المتطلبات والتكاليف ولا توجد دراسة تحدد ماهية حجم المشكلة اقتصاديا على الأسر والمجتمع. وبما أن تعداد السكان في المملكة في عام 2020م سيكون 40 مليون نسمة تقريبا, فهذا يعني أنه سيكون في المملكة 50 ألف حالة متلازمة داون وبزيادة سنوية تصل إلى ألف حالة سنويا, فكم ستكون التكاليف آنذاك؟ ومن سيدفعها؟
إن الرعاية الطبية المقدمة لذوي المتلازمة غير متابعة بشكل دقيق, فمازال المختصون متضجرين من بعض الممارسات غير المتخصصة من بعض الأطباء والإخصائيين التي اعتبرت أنها تسبب كثيرا من المعاناة النفسية في حين يجب التعامل مع هذه الفئة بمهارية عالية. بعض التقارير الرسمية في بعض الدول الغربية تشير إلى أن في العادة يتم التعامل مع 70 في المائة من الحالات بعد الولادة في حين الـ 30 في المائة الباقية لا يتم التعامل معها إلا بعد بلوغهم سن الثانية أو الثالثة من العمر, فهل لدينا إحصائية عن الحالات التي لا يتم التعامل معها؟ وهل الحالات التي يتم التعامل معها تنتهي إلى مراكز متخصصة وبرامج واضحة الأهداف وناجعة التنفيذ؟ إن كثيرا من الأسر تلجأ للدول المجاورة أو, إذا كانت قادرة على ذلك, لبعض الدول الغربية لضمان الاهتمام بأبنائها فحسب الدراسات العلمية هناك 60 في المائة من المواليد يمكن بالمتابعة الصحية المتلازمة تزداد فرص العيش فيها للعقد الخامس من العمر (55 عاما) على ألا يمروا بمشاكل صحية أو انتكاسات واضطرابات نفسية والاضطرار لإجراء عمليات جراحية حساسة وخطيرة.
آن لنا أن نسمع أو نرى خطة وطنية طموحة لمواجهة هذه القضية وتبعاتها. فقد أنشئت الجمعيات ومراكز الرعاية والتأهيل لسد الفراغ في مجال رعاية وتنمية الأطفال ذوي متلازمة داون, فهل تم سد الفراغ حقا؟ ثم إن الجمعيات والمراكز بُلغت بتبني مجموعة من البرامج والخطط المدروسة التي تشرف عليها الوزارات المعنية وتساندها في جلب الكوادر المؤهلة علمياً وعملياً وفنياً، ومن ثم الاستعانة بالخبرات العالمية المتخصصة في هذا المجال لتعليم وتدريب الآباء والأمهات قبل الأطفال, فهل تحقق الهدف؟ من ناحية أخرى تم إنشاء مركز لتدريب المدربين والمدرسين الوطنيين وتأهيلهم في مجالات متلازمة داون من النواحي الاجتماعية، النفسية، والمهنية الصحية، إضافة إلى تبني برامج الإعداد للتوظيف، الذي يخدم الشباب والشابات فوق الـ 20، بحيث يصبحون قوى فاعلة ومنتجة تشارك بفاعلية في خطط التنمية, فهل ستبتعث هذه النخبة للخارج ليعودوا خبراء في التأهيل المتخصص؟
إعلاميا نحتاج إلى رفع مستوى الوعي بهذه القضية الإنسانية الوطنية المهمة، وقد لوحظ أن أساليب الحياة لدى كثير من الأسر قد تطور عندما اهتم الوالدان بحالة ابنهم أو ابنتهم واطلعوا على كل ما أهلهم ليتعايشوا مع الحالة, أليس ذلك مدعاة إلى الاهتمام بنشر المعلومات والإحصائيات والاهتمام بأخبارهم وتسليط الضوء عليهم من قبل وسائل الإعلام المختلفة كافة؟ من ناحية أخرى من المتوقع إيجاد حدائق وأماكن ترفيه, إضافة إلى تخصيص أندية للقاءات السنوية وتبادل الخبرات ورفع معنويات هذه الفئات وذويهم ويتم تغطية ذلك إعلاميا كما صورت قناة أوروبية تطور أحد المراكز في المملكة في تأهيل ذوي متلازمة داون, فمتى ستهتم قنواتنا بهم؟ لابد أن يغطي التأمين الصحي تكاليف هذه الحالات بالكامل أو على الأقل 80 في المائة من تكاليفها, كما من الضروري أيضا أن تقوم المستشفيات الجامعية والمراكز الطبية المتخصصة بتكثيف الدراسات العلمية في وضع المتلازمة من النواحي الطبية والاجتماعية والاقتصادية كافة, ويمكن التأسي بدور إحدى الجامعات الأمريكية عندما خصصت مبلغ 600 ألف دولار في عام 2005م لدعم الأبحاث العلمية المتخصصة للمتلازمة, على أساس أن تعلن النتائج في تموز (يوليو) من العام المقبل 2007م. ألا يستحق ذلك منا أن نكثف اهتمامنا بقضية باتت تؤرق المجتمع وتستنزف موارد الأسر المبتلاة, فنسمع عن دعم الأبحاث الخاصة بمتلازمة داون في المملكة؟ وللتنويه, فإن انتشار مرض معد مثل "حمى الضنك" يمكن أن يعرض المولودين بمتلازمة داون للوفاة لقابليتهم للإصابة بالأمراض المعدية أكثر بـ 12 مرة عن غيرهم, فماذا أعددنا لحمايتهم من الأمراض المعدية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي