الأبواب الميسرة

الأبواب الميسرة

حث الله سبحانه وتعالى على المسارعة والمسابقة إلى الخيرات، حيث يقول عزّ وجلّ: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[آل عمران:133، 134]، وكما قال تَعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[البقرة:195]، وكما قال عزّ وجلَّ: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ[القصص:77].
إن الصّدَقاتُ فيها إحسانٌ إلى المتصدِّق نفسِه؛ لأنَّ الله يثيبه على الحسنةِ بعَشرِ أمثالها إلى سَبعمائةِ ضعف إلى أضعافٍ كثيرة، قال الله تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ[الأنعام:160]، وعن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إنَّ الله كتب الحسناتِ والسيّئات، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعمَلها كتَبَها الله عنده حسنةً كاملة، فإن همَّ بها فعمِلها كتبها الله عنده عشرَ حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة، فإن همَّ بسيّئةٍ فعمِلها كتبها الله عنده سيّئةً واحدة)) رواه البخاري.
والمتصدِّق يحسن إلى نفسِه بالصدقات؛ لأنّه بالصّدقة يتَّصف بالرحمة التي هي من أكرمِ الصّفات، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ : ((لا تُنزَع الرّحمة إلا من شقيٍّ)) رواه أبو داود والترمذي، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله : ((الرّاحمونَ يرحمهم الرّحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم مَن في السماء)) رواه الترمذي وأبو داود، وعن النّعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((مثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطفِهم مَثَل الجسَد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسَد بالسَّهر والحمَّى)) رواه البخاري ومسلم.
والصّدقاتُ إذا وقَعَت في مواقِعِها ونالَت مستحقِّيها فرَّج الله بها كَربَ المكروب، وسدَّ بها حاجةَ المحتاج، وأعان الله بها المساكين، وقضى الله بها المنافِعَ، ويسَّر الله بها المصالح، وتحقَّقَ بها التكافلُ الاجتماعيّ بين المسلمين، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كرَبِ الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرَب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستَر مسلمًا ستَره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبد في عونِ أخِيه)) رواه مسلم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله : ((ومَن كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجتِه)) رواه أبو داود، وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((المؤمِنُ للمؤمنِ كالبنيان يشدُّ بعضه بَعضًا)) وشبك بين أصابعه. رواه البخاري ومسلم.
وأبوابُ الخير التي تَنفع المسلمين كَثيرة، وطرق البرِّ متعدِّدة، فالصّدَقة الخالِصة لله التي تقَع في يدِ مستحقِّها أو في يَد جمعيّةٍ خيريّة توزِّعها يشكُرُ الله لصاحبِها ويضاعِفُها، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ما تصدَّقَ أحدٌ بصدقةٍ من طيِّب ـ ولا يقبَل الله إلا الطيِّب ـ إلاَّ أخذها الرحمن بيمينِه وإن كانت تمرةً، فتربو في كفِّ الرحمن حتى تكون أعظَمَ من الجبل كما يربِّي أحدُكم فَلُوَّه أو فَصيلَه)) رواه البخاري ومسلم.
والوقفُ الذي تُجعَل غَلَّته للإحسان إلى المنقطعِين للعلم وللفقراءِ والمحتاجين وبناءُ الأربِطَة في الحرَمَين الشريفَين أو غيرها لإسكانِ العُبَّاد والمستحقِّين وبناء المساجدِ والعناية بها وبِناء المستشفياتِ والمدارِس وإنشاءُ المكتَبَات التي تنشُرُ العلمَ وحفرُ الآبار ومدُّ شَبكات الماء كلُّ هذا ونحوه من أفضَلِ البرِّ عند الله ومن الصّدقَة الجاريةِ التي تنال صاحبَها في حياتِه وبعد مماتِه.
فليحرص كل مسلم على الإحسانِ إلى نفسه بما وهبه الله من المالِ وبما منَّ به عليه من النعم التي لا تحصى، فعليه بالمبادرة والإحسانِ إلى أنواع المحتاجِين من الفقراءِ والأيتام والمعوقِين والشّباب الذين يسعَونَ للزّواج والمنقطِعِين لطلَبِ العلم وجمعيّاتِ تحفيظ القرآن والمرضَى والمدينين والمُعسِرين، والله تعالى يقول: وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[المزمل:20]. ونسأل الله أن يتقبل منا ومن كل محسن ومنفق صالح الأعمال وأن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم وفي ميزان حسنات الجميع، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الأكثر قراءة