«الابتعاث الخارجي» دعم كبير من أب حنون.. ولكن!
عند تفضل مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ــ حفظه الله ــ بإطلاق برنامج الابتعاث للخارج لخدمة شباب الوطن ولإعدادهم بما يتواءم واحتياجات العمل عالمية المستوى، كانت تتمحور رؤية هذا البرنامج الكبير حول إعداد أجيال متميزة لمجتمع معرفي مبني على اقتصاد المعرفة، وتحقيق رسالة عظيمة تتمثل في إعداد الموارد البشرية السعودية، وتأهيلها بشكل فاعل لتصبح منافسا عالميا في سوق العمل ومجالات البحث العلمي ورافدا مهما في دعم الجامعات السعودية والقطاعين الحكومي والأهلي بالكفاءات المتميزة، إضافة إلى العمل على إيجاد مستوى عال من المعايير الأكاديمية والمهنية من خلال برنامج الابتعاث، وتبادل الخبرات العلمية والتربوية والثقافية مع مختلف دول العالم، إلى جانب رفع مستوى الاحترافية المهنية وتطويرها لدى الكوادر السعودية.
وبالفعل أثبت بعض الشباب السعودي قدرتهم الفائقة على تحقيق ما ابتعثوا من أجله.. ولكن مع الأسف وجدت بسبب طبيعة عملي عندما اطلعت على تقييم عدد من المبتعثين ممن أكملوا تعليمهم في درجتي الماجستير والبكالوريوس في تخصصات مختلفة ومن جامعات مختلفة، أن مستوى اطلاعهم ومعلوماتهم أقل ما يوصف به أنه ضعيف، ومع الأسف مرة أخرى، لا تؤهلهم للعمل، ولم يكونوا على قدر المسؤولية التي حملوها على عاتقهم تجاه الوطن، وراحت المبالغ الكبيرة التي صرفت عليهم أدراج الرياح.
هذا المستوى الضعيف الذي عاد به بعض أبنائنا من الخارج، وأقول هنا بعضهم وليس جميعهم، يدعونا بكل جدية إلى أن نتلاحق الوضع، ونعمل على وضع ضوابط صارمة للتأكد من الجامعات التي يلتحقون بها، ونفعل دور الإشراف المستمر من خلال آليات رقابة واضحة ومتابعة، كما نعمل على تفعيل دور الملحقيات الثقافية في سفاراتنا من خلال توظيف شباب سعودي مؤهل يقوم بالإشراف والرقابة الفعلية، إضافة إلى ضرورة بناء نظام آلي ترتبط فيه الجامعات والملحقيات بوزارة التعليم العالي، ليحكم عملية الرقابة، وإمكانية التعرف على التزام المبتعثين، ومتابعة تحصيلهم العلمي ونتائجهم، لكيلا نعطي الفرصة للقطاع الخاص الذي أنتسب إليه، بعدم توظيفهم لعدم ملاءمة قدراتهم سوق العمل في هذا القطاع، وفي الوقت ذاته عدم تلبية احتياجاته ويضعه في مواقف محرجة مع وزارة العمل ووضع وزارة العمل في موقف محرج بعدم إيجادها الوظائف المناسبة لهم.
نحن لا نريد من خلال هذا البرنامج العظيم الذي قدم له خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ كل الدعم على مختلف الأصعدة، من خلال حرصه على التنمية المستدامة للموارد البشرية في المملكة، أن يكرر مأساة بعض التخصصات في جامعاتنا، التي لا تتواءم مع سوق العمل، وتطرح مخرجات لا يستفاد منها لا من قريب ولا من بعيد في تطوير أعمالنا وكوادرنا البشرية، وإعداد أجيال متميزة لمجتمع معرفي مبني على اقتصاد المعرفة، تعمل على نقل ما تعلمته إلى أرض الواقع، ويستفيد منها المجتمع بشكل فعلي.
إنني هنا لست بصدد ضرب الأمثلة.. ولكن هناك تساؤلات تحتاج إلى إجابة.. ما الفائدة من ابتعاث أبنائنا في تخصصات تخرجها جامعاتنا؟ ولم لا يكون التركيز على التخصصات التي نحن بالفعل في حاجة إليها؟ ولماذا لا يكون هناك تقييم فعلي للمبتعثين خلال فترة دراستهم وبعد تخرجهم؟