شراكة سياسية مختلفة!

شراكة سياسية مختلفة!

<a href="mailto:[email protected]">asidahmed@hotmail.com</a>

فيما الجدل لا يزال محتدما إذا كان الهبوط الذي شهده سعر برميل النفط يمثل تصحيحا لحالة الارتفاع الكبيرة التي برزت خلال الأشهر الماضية، أم هو اتجاه هبوطي سيتواصل إلى أن يستقر عند معادلة توازن بين العرض والطلب، جاءت تطورات من منطقة خليج المكسيك وفيينا لتعطي للنقاش بعدا آخر.
ففي مطلع هذا الشهر أعلن تحالف شركات "شيفرون تكساكو"، "ديفون وستاتويل" النرويجية عن تدفق النفط من أعماق البحر من بئر (جاك 2)، الأمر الذي يفتح آفاقا جديدة للبحث عن احتياطيات نفطية بعد أن عز وجود هذه الاحتياطيات على اليابسة وفي المياه الضحلة. تطوير هذا الحقل تحديدا قد يحتاج من الناحية الزمنية إلى سنوات خمس حتى يصل إلى السوق الأمريكية العطشى في شكل إمدادات. لكن أهم من ذلك أنه يحتاج إلى بقاء الأسعار فوق 40 دولارا للبرميل ليصبح العمل في المياه العميقة مجديا من الناحية الاقتصادية البحتة.
وفي فيينا الأسبوع الماضي خيم موضوع الأسعار على الاجتماع العادي لوزراء النفط في منظمة "أوبك"، رغم أنه لم يناقش بصورة رسمية، إلا أن رحلة الهبوط التي بدأت ألقت بظلالها على المجتمعين، لكن ما أعقب ذلك الاجتماع كان مثيرا. فعلى هامش ندوة نظمتها "أوبك" فجّر عبد الله صالح جمعة الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" مفاجأته بإلقاء قفاز التحدي أمام أركان الصناعة النفطية من وزراء ومديرين داعيا إياهم إلى تكثيف جهودهم واستخراج تريليون برميل من النفط على مدى ربع القرن المقبل، مضيفا أن الاحتياطيات النفطية يمكن أن تصل إلى 4.5 تريليون برميل، وهي تحتاج إلى المزيد من التقنية المتقدمة والإرادة لاستخلاص آخر برميل.
وهو ما يثير موضوع السعر كذلك. فهناك تقنية متوافرة وأخرى تحتاج إلى بذل الجهد بشأنها. مكان وجود النفط وكيفية استخراجه وتكلفة ذلك تثير الأسئلة التي تتمحور حول الجدوى الاقتصادية لسعر البرميل، الأمر الذي يتطلب معالجة أكثر جدية وتناولا مختلفا على الأقل من جانبي المنتجين داخل "أوبك" وخارجها.
عمليات رفع سعر برميل النفط التي شهدها العالم في حقبة سبعينيات القرن الماضي من قبل "أوبك"، أدت فيما أدت إليه إلى جعل التنقيب ممكنا في مناطق لم تكن ذات جدوى اقتصادية في السابق مثل بحر الشمال وألاسكا وغيرها من مناطق الإنتاج العالي خارج مناطق "أوبك" المعروفة تقليديا باحتياطياتها المؤكدة.
لكن تلك الفترة تميزت بعدم وجود أي تنسيق بين المنتجين داخل المنظمة وخارجها، ووجد الأخيرون أنهم يمكن أن يحصلوا على رحلة مجانية: أي بالاستمتاع بالأسعار العالية التي لم يكن لهم جهد في الوصول بها إلى ذلك المعدل والدفاع عنه من خلال خفض الإنتاج كما تفعل "أوبك"، كما أنهم لم يتعرضوا لشوك الانتقاد الذي يوجه إلى المنظمة واستهدافها للمستهلكين ومنهم دول نامية تعاني الأمرّين من عبء فاتورة توفير الطاقة.
عقد الثمانينيات الذي تلا وشهد ما عرف بحرب الأسعار مع تقلص حصة "أوبك" في السوق، الأمر الذي أدى إلى حدوث لقاءات بين المنتجين داخل المنظمة وخارجها بأمل تحمل جزء من عبء الدفاع عن السعر، وهي قضية تهم الكل، إلا أن خلاصة الأمر لم تتجاوز عبارات شكلية وتعاونا في أضيق الحالات لم يستمر طويلا.
الجديد هذه المرة ليس وجود نمو قوي في الطلب لا بسبب الانتعاش الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة ودول آسيا وعلى رأسها الصين والهند فقط، وإنما لانضمام جموع متنامية من دول العالم الثالث إلى منظومة مستهلكي النفط سواء من قبل الصين التي تشهد توسع طبقة وسطى تتجه إلى اقتناء السيارات الخاصة والسفر بالجو إلى العديد من مواطني الدول الفقيرة الذين ينتقلون إلى استخدام المنتجات النفطية بصورة متزايدة.
هذا النمو في الطلب هو الذي يعزز من نظرية ذروة النفط وأن الاحتياطيات الموجودة على طريق الاستنزاف، الأمر الذي دفع إلى البحث عن آفاق جديدة تمثلت حتى الآن في المياه العميقة التي جاء اكتشاف "شيفرون تكساكو" في خليج المكسيك ليعززها، وحديث عبد الله صالح جمعة ليعيد التركيز عليها.
فاحتمال وجود احتياطيات تحتاج إلى جهد أكبر وإنفاق أكثر لاستخراجها أصبح جليا، وهو ما يفرض السؤال إذا كان سيتم استصحاب التجربة السابقة بجعل "أوبك" تتحمل مسؤولية رفع الأسعار والدفاع عنها حتى يمكن لآخرين البحث في مناطق لم يكن البحث ممكنا فيها لولا الأسعار العالية، أم أن هناك طريقا ثانيا ينبع من أن هناك مسؤولية جماعية يشارك فيها المنتجون من داخل "أوبك" ومن خارجها وحتى المستهلكون وذلك على أساس وجود مصلحة مشتركة لتوفير الإمدادات والحصول على عائدات، الأمر الذي يتطلب حدا أدنى من الأسعار يمكن أن يفي بمختلف هذه الاحتياجات، الأمر الذي يتطلب ممارسة وشراكة سياسية على غير ما شهده سوق النفط حتى الآن.

الأكثر قراءة