رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


لماذا تم تخفيض تصنيف الولايات المتحدة؟

للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، قامت مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية ستاندرد آند بورز بتخفيض تصنيف دين الولايات المتحدة طويل الأمد إلى AA+ بعد أن تمتعت بالتصنيف الأعلى بين دول العالم لمدة تجاوزت السبعين عاماً. التخفيض لم يكن مفاجئاً للمتعاملين في الأسواق المالية، لكنه أتى بأسرع من التوقعات، حيث كان من المتوقع الانتظار لمعرفة ما ستسفر عنه المشاورات التي ستتم في إطار اللجنة التي ستقوم بالاتفاق على تخفيضات في النفقات تقدر بـ 1.5 تريليون دولار أمريكي في موازنة الولايات المتحدة. وقد أدت الخطوة التي أقدمت عليها ستاندرد آند بورز إلى ردة فعل قوية في أوساط الساسة الأمريكيين، وهجوم على المؤسسة واتهامها بالافتقار إلى الفهم البسيط في حسابات الموازنة الأمريكية.
من ناحيتها فقد بنت مؤسسة ستاندرد آند بورز قرارها على سببين رئيسيين. الأول أن خطة التسوية المالية التي اتفق عليها الكونجرس الأمريكي بتخفيض العجز الأمريكي بما يتراوح بين 2.1 – 2.4 تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة، غير كافية لإعادة الدين العام الأمريكي إلى وضع مستقر على المدى المتوسط، حيث ستستمر نسبة الدين العام في الارتفاع بشكل مستمر على الرغم من هذا التخفيض. السبب الثاني الذي بررت به ستاندرد آند بورز خطوتها يتعلق بالجانب السياسي، وبالتحديد بالتجاذبات السياسية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري التي رافقت النقاش حول رفع سقف الدين العام الأمريكي خلال تموز (يوليو). حيث أشار رئيس ستاندرد آند بورز في أكثر من لقاء، إلى أن ربط النقاش حول الموازنة برفع سقف الدين، يؤدي إلى التأثير على الرؤية والتقييم المستقبلي لإمكانية استدامة الدين العام الأمريكي، في حالة بروز هذا النقاش مرة أخرى خلال العامين المقبلين.
وهذا ما حاولت التأكيد عليه في المقال الذي نشر في 29 شعبان 1432هـ بعنوان (اللعب بالنار) الذي اقتطع منه الفقرة التالية التي أشرت فيها إلى الخطر الكبير الذي يهدد الاقتصاد الأمريكي جراء الجدال السياسي الذي حدث خلال تموز (يوليو) الماضي، حيث أشرت إلى ما يلي:
(... لم يتصور أقطاب السياسة في الولايات المتحدة أنهم بمجرد المخاطرة بفكرة (إمكانية الإفلاس) فإنهم قد يعرضون مستقبل الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء للمخاطرة. فمؤسسات التصنيف الائتماني تراقب بحذر الآن موضوع الاتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين، وبناءً عليه ستحدد ما إذا كانت ستراجع تصنيف الولايات المتحدة أو الإبقاء عليه. فإقحام سقف الدين في المفاوضات حول الموازنة، يعني ربط فكرة الإفلاس ـ التي كانت غير محتملة في السابق ـ بعجز الموازنة. فإذا كان العجز المتفق على تخفيضه غير كافٍ لإعادة الدين العام إلى وضع أكثر استقرارا، فإن تخفيض التصنيف الائتماني سيكون حتميا، حتى في حالة الموافقة على رفع سقف الدين. في حين في السابق لم يكن هناك تأثير كبير لعجز الموازنة المتزايد على التصنيف الائتماني، لقدرة الولايات المتحدة على إصدار المزيد من الدين لتغطية هذا العجز، ودفع الفائدة فقط على هذا الدين. أي أن الميزة الكبرى التي سمحت للولايات المتحدة بإصدار المزيد من الدين العام، واستمرار الطلب الكبير على هذا الدين من أكبر الدائنين في العالم، قد تنتهي على أيدي هؤلاء الساسة...).
أما الآن وقد تم التخفيض، فما نتائجه؟ نلاحظ أن افتتاح الأسواق الإثنين الماضي كان بانخفاض شديد في أسواق الأسهم، لكن على العكس من ذلك فقد ارتفعت أسعار السندات الأمريكية، مما أدى إلى انخفاض العائد عليها. هذا بالطبع يعكس حالة هرب المستثمرين إلى الاستثمارات الأقل مخاطرة، ولا يعكس بالضبط الأثر الكلي على السندات الأمريكية. والتعرف على أثر هذا التخفيض على السندات الأمريكية يجب أن يستند إلى عنصرين رئيسيين يحددان بالضبط ما إذا كانت جاذبية هذه السندات ستتأثر على المدى المتوسط أم لا. العنصر الأول هو عمق وسيولة السندات الأمريكية بالمقارنة مع غيرها، الأمر الذي لا توفره أي سندات سيادية أخرى حتى التي ما زالت تحافظ على التصنيف الأعلى طبقاً للتصنيفات الرئيسة الثلاثة. العنصر الثاني، هو أن الدولار ما زال وسيبقى على المدى المتوسط على الأقل عملة الاحتياط الرئيسة في العالم، التي لا تنافسها أي عملة أخرى، حتى اليورو، الذي يواجه مأزقاً مؤسسياً كبيراً، وبالتالي فإن جاذبية السندات الأمريكية لن تتأثر بشكل كبير. لكن على الرغم من ذلك، فقد ترتفع تكلفة هذه السندات، بارتفاع سعر الفائدة عليها، وهذا بالطبع قد يؤدي إلى زيادة تكلفة التمويل بمختلف أشكاله، مما قد يؤدي إلى كبح جماح النمو الاقتصادي الأمريكي الذي يعاني من نمو متباطئ في الأساس. الخطوة الرئيسة لتجنب ذلك، هي أن تلعب اللجنة البرلمانية التي ستناقش موضوع الموازنة دوراً مسؤولاً في إعادة التوازن المالي من خلال إصلاحات تشمل جانبي المصروفات والإيرادات، بما في ذلك إجراء إصلاح ضريبي شامل في الولايات المتحدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي