رمضان الكريم.. وإشاعة التسامح
أود عزيزي القارئ أن تخوض معي اليوم بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم أعاده العلي القدير على الجميع بالخير والبركات، في جانب مهم ومؤثر في حياتنا اليومية، سواء كان على مستوى الأفراد أو الجماعات، ألا وهو جانب التسامح الذي يقضي بنبذ التطرف أو ملاحقة كل من يعتقد أو يتصرف بطريقة مخالفة قد لا يوافق عليها المرء .. هذا التسامح الذي حث عليه دين الفطرة الإسلام، واعتبره مبدأ منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، حيث وصف هذا الدين العظيم وما زال، بدين التسامح والمحبة والأخلاق العظيمة، ويتعامل بذلك ليس فقط مع من ينتمون إليه، وإنما مع جميع المذاهب والأديان، إذ ينبثق عن مبدأ التسامح الاستعداد للسماح بالتعبير عن الأفكار والمصالح التي تتعارض مع أفكارنا ومصالحنا، ومن هذا يمكن تعريف التسامح بأنه: الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثقافي ولأشكال التعبير والصفات الإنسانية المختلفة.
لقد حث الإسلام على اتخاذ التسامح كمبدأ وخلق، ولنا في سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، إذ يجد من قرأ سيرة هذه الشخصية العظيمة جميع الصفات الحسنة التي يتمنى أن يتحلى بها أي إنسان على وجه هذه البسيطة، والتي منها التسامح، حيث قال عليه الصلاة والسلام في خطبة حجة الوداع: إن أباكم واحدٌ، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى .. وهذه دلالة واضحة على تسامح الإسلام وحثه على التسامح واحترام وقبول الآخرين مهما اختلفنا معهم.
في اعتقادي المتواضع أنه من واجب الجميع التعاون والعمل على نشر قيم وفضائل التسامح، حتى تصبح من ثقافة الفرد والمجتمع، وتشكّل صمام أمان لعالم مطمئن ومزدهر ومتقدّم، وأن ننبذ ثقافة الانتقام التي ليست من هدي ديننا الإسلامي العظيم، وأن نحافظ على أخلاقنا الإسلامية التي هي أساس تقدمنا وتطورنا، وتشكل الطريق السليم لنا في حياتنا اليومية.
إن التسامح أو العفو خلق تغنى به كثيرون، وتحدث عنه الصحابة رضوان الله عليهم، والحكماء كثيرا، ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين قال: ''إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه''، وقال الشافعي ''فعاشر بإنصاف وسامح من اعتدى .. ولا تلق إلا بالتي هي أحسن''، ولكي نكون متسامحين ومتقبلين للآخر نورد بعض أقوالهم في التسامح :إذ قال وليم بليك ''أن تسامح عدوّاً أسهل من مسامحة صديق، نيلسون مانديلا '' التسامح المطلق لا يستلزم نسيان الماضي بالكامل، جورج إليوت ''مسؤولية التسامح تقع على من لديهم أفق أوسع، روبرت فروست: ''لا يمكن لشيء أن يجعل الظلم عادلا إلا التسامح''. ألكسندر بوب ''الخطأ من الإنسان، والمغفرة من الله''، بتي سميث ''المغفرة هدية غالية رغم أنها لا تكلف شيئا''، أنديرا غاندي: ''الغفران شيمة الشجعان''، وعلى رأس هذه الأقوال التي تدعو إلى التسامح مثلنا العربي الشهير ''العفو من شيم الكرام''.. ولكن في الحقيقة أن التسامح متى ما كان أقوالاً لا تدعمها السلوكيات، ومواعظ وكلمات لا تبرهن عليها الأفعال، كان التسامح ضرباً من ضروب التدجيل والزيف، وحتى يكون التسامح مبدأ لنا لا بد أن يسبق أفعالنا قبل أقوالنا.
عزيزي القارئ .. لنستغل الشهر الكريم شهر الفضائل والعمل الحسن، ونعمل على إشاعة ثقافة وخلق التسامح، بداية بأنفسنا وأهل بيتنا كمسلمين وبشر، وأن ندعو ونتبنى التسامح ونأخذه كطريق نسير عليه، ونعلمه لأولادنا، ونسامح من أخطأ علينا ونطلب السماح ممن أخطأنا عليه .. ومما لا شك فيه أن مبدأ التسامح مبدأ عظيم، لأننا كلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون.