رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


طريقة مؤسساتنا في إدارة الجودة

تقوم بعض منظماتنا بتوزيع شهادات على أقسامها تثبت جودة خدماتها. فبعضها لديها مركز لاعتماد الجودة يمنح شهادة اعتماد بأن الوحدة المعنية أو القسم المعني قد اجتاز عملية التقييم في تطبيق المعايير الوطنية في الجودة، وتمنح الشهادة لمدة ثلاث أو أربع سنوات مذيلة بتوقيع المدير العام وبمصادقة الوزير.
ونحن نتساءل ونسأل هذه المنظمات الحكومية وغير الحكومية: هل من معايير الجودة أن تقيّم المنظمة نفسها؟ وتقوم بتوزيع شهادات الجودة كالهبات على أقسامها، وفروعها، وإداراتها؟ لم نعهد أن تقوم المنظمات بتقييم ذاتها، وما مراكز الجودة التي أنشأتها بعض المنظمات داخل جهازها الإداري إلا ذر للرماد في العيون، وهدر للأموال، وتضليل للرأي العام، ولا يعتد به، ولا يعد ضمن معايير الجودة التي نعرفها. ولا ندري ما المعايير التي بنت عليها منظماتنا جودة خدماتها؟ فالذي نعرفه أن هناك منظمات وهيئات دولية مستقلة تتولى عملية التقييم ومنح الاعتماد. وإن كانت منظماتنا قد اقتصرت في تقييمها على ما أسمته المعايير الوطنية فما هذه المعايير؟ أليس من حق المواطن، ومتلقي الخدمة، والرأي العام أن يطلع عليها ويعرف حيثياتها وبنودها وآليات التقييم التي تسير عليها.
الجودة ليست أوراقا وشهادات توزع هنا وهناك، تزين بها مداخل الإدارة الحكومية والشركات وحيطانها. الأمر أكبر من ذلك وأعظم فنحن نعلم ماذا يجري في وزاراتنا وإداراتنا، خصوصا تلك التي لها علاقة مباشرة بالمواطن والتي يتعامل معها بشكل مباشر وبصفة دورية منذ ولادته حتى يوارى في الثرى، ويستطيع بكل سهولة تقييم جودة خدماتها، وأظن أنها لن تنطلي عليه شهادات الجودة التي توزعها على أقسامها.
نقول للجهات والإدارات والوزارات إذا أرادت بالفعل أن تخضع مخرجاتها للجودة فعليها أن تكف عن هذا العبث، وعليها في البداية أن تستوعب حقيقة مبغضة مؤلمة وهي: أنها بعيدة كل البعد عن معايير الجودة؛ فالاعتراف أو الخطوات في هذا الطريق. ثم تقوم بمسح شامل لإدارتها وأقسامها وما يدور حولها من فروع ومراكز خدمية أخرى لمعرفة مقوماتها ونقاط ضعفها، ثم تحدد استراتيجية واضحة للتقويم وليس التقييم. فمهمة المنظمات تقويم وتعديل الخدمات بما يتوافق وشروط المؤسسات الدولية للجودة وليس تقييم الخدمات.
ثالثا: عليها أن تقوم بالتنسيق مع منظمات الجودة المعروفة وتتقيد بشروط منح أنظمة الجودة الفنية والإدارية وكذا الجودة الشاملة. ولتعلم أن الجودة مرت منذ تكوينها بأربع مراحل: مرحلة الفحص، مرحلة مراقبة الجودة، مرحلة ضمان الجودة، وأخيرا مرحلة إدارة الجودة الشاملة. وليس من العيب أن تبدأ من المرحلة الأولى المهم أن تبدأ وأن تبتعد عن التخبط وتسويق الوهم.
رابعا: تحتاج منظماتنا إلى أن تعرف بالضبط أين هي الآن؟ وإلى أين تريد أن تتجه؟ فيبدو أن مثل هذه الأساسيات غير واضحة لكثير من المنظمات التي تسعى لتحقيق الجودة. ثم تقوم بإعادة هيكلة وترميم البيت الداخلي ومن ضمن الآليات التي أراها مناسبة تغيير الطاقم الإداري برمته وإعادة الفنيين والمتخصصين إلى أعمالهم الأصلية بعد أن يعاد تدريبهم فقد ابتعدوا كثيرا عن المهنة وعدم تمكينهم من الأعمال الإدارية التي غيروا بها ملامح النظام بسوء الإدارة وتسند مهمة الإدارة والتخطيط والجودة للمتخصصين. وأنا أعلم أن هذه مهمة صعبة فمن ذاقت نفسه المكاتب الوفيرة، والسيارات الفارهة، وخدمات السكرتارية، لن يقبل العودة بسهولة لممارسة عمله الفني ولن تقبل نفسه البقاء بين الآلات أو في العيادة لساعات طويلة.
ومن الآليات التي أراها مناسبة تشذيب المنظمة بما فيها من إدارات وأقسام ومراكز ومنحها صلاحيات كبيرة حتى تكون إداراتها أشبه بوزارة مصغرة مستقلة عن الوزارة الأم كي تبتعد عن المركزية الكريهة والبيروقراطية البغيضة، فضخامة حجم المنظمات السبب الجوهري في بطء حركتها وتمكن الأمراض الإدارية منها ولجوئها إلى معايير جودة من نسج خيالها.
وأخيرا نتمنى من الجهات الرقابية في الدولة الوقوف بحزم على مثل هذه القضايا وعدم استصغارها. فالسماح للمنظمات بتقييم جودة خدماتها وإصدار شهادات جودة تقيم بها ذاتها عمل خارج عن معايير الجودة المتعارف عليها، وهو أقرب ما يكون إلى عملية استغفال للمواطن وللمسؤول على حد سواء وإقناع الناس قصرا بجودة الخدمات. نعم من حق المنظمات مراقبة الجودة، أما تقييمها ومنح شهادات الجودة لإدارتها فما سمعنا بهذا! ونخشى إن استمر الوضع وتُرك الحبل على الغارب أن يصبح استحداث مراكز جودة ذاتية داخل المنظمات أن تتبنى مؤسساتنا معايير جودة تتفق والأوضاع الحالية التي تعيشها. فالمنظمات التي يصعب عليها الوفاء بمتطلبات الجودة وخوفها من التغيير تلجأ إلى هذه الخدعة فتقوم بتفصيل معايير الجودة بما يتلاءم ووضعها الحالي الذي تعيشه فتنكفئ على ذاتها وتتخذ معايير تتوافق مع حالتها، وبذا تبتعد عن الواقع وعن تجارب الغير، والأمر في هذه الحالة لا يتعدى القبول ضمانيا بالواقع المرير والانحراف والتخبط الإداري والاستسلام لجميع الأمراض التنظيمية والإدارية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي