جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن .. أهمية تجسيد الدور ومحاكاته
حالة عجيبة من المفارقات عشتها قبل عقدين من الزمن على المقعد الدراسي في كلية الإدارة الصناعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. هناك على سفح جبل الظهران حيث الحرم الجامعي المطل على مجمع شركة أرامكو السعودية حيث المركز الرئيس لأعمال النفط السعودي من التنقيب والإنتاج والتكرير والتوزيع والتسويق. كنّا ننهل من منابع العلم والمعرفة الإدارية والمالية والاقتصادية المختلفة. وكنّا كذلك ندّعم العملية العلمية بدراسة ونقد وتحليل حالات دراسية عملية بما يمكننا من بلورة العلوم النظرية إلى وقائع عملية تسهم في إضفاء ميزة تنافسية لخريج الجامعة تمكنه من تقديم قيمة مضافة لمنشآت سوق العمل عند انخراطه بها بعد حصوله على الشهادة الجامعية.
وعلى الرغم من جهود الجامعة في تقديم هذه الحالات الدراسية المختلفة للطالب على مقعد الدراسة، إلا أن مردودها العملي كان أقل من الطموح الوطني، فمعظم الحالات الدراسية في تلك الفترة كانت من واقع قطاع الأعمال والاقتصاد الأمريكي. وعلى الرغم من الدروس العلمية المستفادة من التقدم العالمي لهذا القطاع، إلا أن الاعتماد على شركاته المختلفة كمنظور مشاهد للعلوم النظرية لم تكن بحجم الطموح الوطني ونحن لا يفصلنا عن تطورات شركتنا الوطنية العالمية العملاقة سوى بضع خطوات. بل إن موقع الجامعة الجغرافي أسهم في مشاهدة الطلاب الدائمة لموارد العملية التنموية السعودية، بدءا من واحات الأحساء الزراعية، ومروراً بأراضي النفط والغاز، ووصولاً إلى مصانع المواد الأساسية في الجبيل الصناعية، ووقوفاً على خطوط الإمداد والتموين والحراك الصناعي والاقتصادي المختلفة لهذه المنظومة الاقتصادية الوطنية.
كانت مكامن المفارقات العجيبة في تلك الفترة وإبان العملية التعليمية في الجامعة عبارة عن مجموعة من التساؤلات تدور حول السبب في عدم وجود حالات دراسية من واقع قطاع الأعمال والاقتصاد السعودي. هذا القطاع الذي كنّا نشاهد تطوراته بشكل يومي نطمح إلى أن نتناول تطوراته بالدراسة والنقد والتحليل بما يمكننا من بلورة العلوم النظرية إلى وقائع عملية تسهم في تعظيم إضافاتنا لمنشآت سوق العمل السعودية عند الانخراط بها بعد الحصول على الشهادة الجامعية. عزيت إجابة الجامعة في تلك الفترة إلى عدم وجود تجارب سعودية يمكن بلورتها إلى حالات دراسية، ناهيك عن تواضع المعلومات المتوافرة عن المنشآت السعودية، ومحدودية الباحثين السعوديين القادرين على صناعة هذه الإنتاج الحيوي من الحالات الدراسية السعودية في المنطقة الشرقية.
يعيد التاريخ نفسه هذه الأيام من الرياض الحبيبة هذه المرة عوضاً عن الظهران العزيزة. تستقبلك جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن عند خروجك من مطار الملك خالد الدولي بحرمها الجامعي الشامخ وهو ينفض غبار إنشائه استعداداً لتشغيل عامه الدراسي الأول في الأيام القليلة المقبلة. وعلى بعد خطوات إلى الجنوب يقع المركز الرئيس لشركة الصناعات الأساسية (سابك). وهناك على بعد خطوات إلى الغرب يقع مركز الملك عبد الله المالي وفي جميع الاتجاهات مراكز إشعاع تنموي مختلفة تجسّد الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي.
مشهد تنموي جميل يدعونا إلى التساؤل عن منهجية الجامعة في بلوغ رؤيتها الطموحة، وآليات تحقيق أهدافها المنشودة، وتوجهاتها نحو تجسيد من حملت شرف اسمها سمو الأميرة نورة بنت عبد الرحمن - طيب الله ثراها. دور مميّز في قصة تأسيس المملكة يدعونا إلى النظر في صفحات التاريخ السعودي لمدارسة بعض جوانب هذا الدور وإسهاماته في تأسيس المملكة ونموها إلى اليوم.
رصدت الدكتورة دلال الحربي في كتابها ''نساء شهيرات من نجد'' جوانب مهمة في حياة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن أسهمت في بروز دورها المؤثر في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية بعد أن استرد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - الرياض واستقر فيها وعادت أسرته إليها. من أحد هذه النماذج بروز دورها المؤثر في أن ''الملك عبد العزيز كان يستشيرها في كثير من الأمور، وكان يلجأ إليها ليتحدث معها كثيراً، ويبحث أمورا كثيرة من شؤونه، ويبوح بأسراره لها، ويأتمنها على تلك الأسرار''. دور مؤثر أكسبها حظوة خاصة عند الملك عبد العزيز لم تحظ بها أي امرأة أخرى في عصرها أدى إلى أن يعتز به الملك عبد العزيز مردداً في مواقف مختلفة: ''أنا أخو نورة''، ''أنا أخو الأنور المعزي''.
يدعونا هذا الدور التاريخي المؤثر إلى استخدامه كمعيار تجسيد الدور الذي نطمح إلى أن تؤديه جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في العملية التنموية السعودية. دور نجتهد في تقديم مقترحات من شأنها بلوغ الرؤية وتحقيق الأهداف نحو أداء دور مستقبلي مؤثر في العملية التنموية السعودية. مقترح يهدف إلى إنتاج مركز إشعاع معرفي يصل ضوؤه إلى مشارق الأرض ومغاربها بما يحمله من تميّز وريادة في العلم والمعرفة ضمن إطار من القيم الإسلامية والثقافية والاجتماعية.
تبدأ مهمة إنتاج هذا المركز الإشعاعي المعرفي بتأسيس مركز تطوير حالات دراسية عملية من واقع قطاع الأعمال والاقتصاد السعودي تغطي جميع جوانب العلوم الاجتماعية والإنسانية المختلفة. من الأمثلة على مئات الحالات الممكن تطويرها تجارب الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة كأدوات دراسية لمواد التمويل والاستثمار، وتحديات ربحية الشركات المساهمة السعودية كأدوات دراسية لمواد المحاسبة الإدارية والمالية، وتجارب وزارتي الخدمة المدنية والعمل كأدوات دراسية لمواد الموارد البشرية، وقصص خصخصة القطاعات العامة المختلفة كأدوات دراسية لمواد الاقتصاد والمالية، وتحديات إعادة هيكلة المؤسسات شبه الحكومية كأدوات دراسية لمواد الأنظمة والمعلومات. يتم تطوير هذه الحالات الدراسية بمشاركة أعضاء هيئة التدريس والطالبات ومن خلال مد جسور التعاون المهني مع القطاع العام والخاص والمدني السعودي بشكل تدريجي. حالات دراسية مطوّرة بشكل مهني بما يمكنها أن تصبح أدوات تعليمية تمكّن الطالبات من دراستها ونقدها وتحليلها وتمهيد الطريق لهن لبلورة العلوم النظرية إلى وقائع عملية تسهم في إضفاء ميزة تنافسية لهن في سوق العمل عند حصولهن على الشهادة الجامعية. لن يقف نتاج مركز تطوير الحالات الدراسية العملية المقترح عند هذا الحد، بل سيمهد الطريق لثلاثة طرق مختلفة تستهدفها الجامعة في رسالتها. الطريق الأول البحث العلمي من خلال عكس هذه التجارب العلمية في أدبيات العلوم الاجتماعية والإنسانية المختلفة من قبل أعضاء هيئة التدريس في الجامعة لبلورتها إلى أبحاث علمية سعودية ونشرها في المحافل العلمية المختلفة وفق أسس علمية. والطريق الثاني خدمة المجتمع من خلال استنباط برامج تطوير وتعليم مستمر من هذه التجارب العلمية وتقديمها بأشكال مختلفة للمجتمع السعودي وفق أسس تنموية. والطريق الثالث تأهيل هذه التجارب العلمية وبلورتها إلى خدمات مشورة تقدم لمؤسسات المجتمع السعودي المختلفة وفق أسس تجارية.
مركز تطوير حالات دراسية عملية، ومركز أبحاث علمية، ومركز تطوير وتعليم مستمر، ومركز مشورة، جميعها مراكز علوم ومعرفة تمثّل مقومات رئيسة نحو تأسيس مركز إشعاع معرفي متكامل يصل ضوؤه إلى مشارق الأرض ومغاربها بما يحمله من تميّز وريادة في العلم والمعرفة ضمن إطار من القيم الإسلامية والثقافية والاجتماعية.
مهمة طموحة تستهدف محاكاة الدور التاريخي المؤثر للأميرة نورة بنت عبد الرحمن في تأسيس المملكة .. مهمة تحيطها الثقة بالقائمين على الجامعة في محاكاة الدور في مستقبل العملية التنموية السعودية.